هيغسيث: بدأنا عملية "ضربة عين الصقر" في سوريا للقضاء على مقاتلي داعش وبنيتهم التحتية
تواصل روسيا، في معادلة جيوسياسية معقدة تتشابك فيها خيوط الاقتصاد بالضغط العسكري، رسم خارطة طريقها نحو تسوية محتملة للأزمة الأوكرانية من موقع قوة غير متوقع.
فبينما راهن الغرب على أن أكثر من 20 ألف عقوبة اقتصادية ستجبر الكرملين على الرضوخ، جاءت أرقام نمو الاقتصاد الروسي لتفاجئ الجميع، محققة معدلات تفوق نظيراتها الأمريكية والأوروبية.
وفي تحدٍّ واضح للتوقعات، حقق الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 4.1% عام 2023 و4.3% عام 2024، متجاوزاً معدلات النمو في الولايات المتحدة ومعظم الاقتصادات الأوروبية، وهذا الأداء جاء نتيجة استراتيجية تكيف سريعة اعتمدت على إعادة توجيه التجارة شرقاً وتعزيز الإنتاج المحلي.
وانخفضت الصادرات الروسية إلى أوروبا بنسبة 68% عام 2023، لكنها ارتفعت للدول الآسيوية، وخاصة الصين والهند، بنسبة 5.6% لتصل إلى 306.6 مليار دولار، بالإضافة إلى نجاح موسكو في تطوير آليات مالية بديلة للتعاملات الدولية تجاوزت من خلالها نظام سويفت المصرفي الغربي.
وأكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن موسكو لن تقدم أي تنازلات بشأن الأراضي التي تعدها جزءاً من كيانها، دونباس، خيرسون، زابوروجيا، وشبه جزيرة القرم.
وشدد الرئيس فلاديمير بوتين، على أن موسكو ستحقق أهدافها من العملية العسكرية بكل تأكيد، في رسالة واضحة بأن أي تسوية يجب أن تعترف بالمكاسب الميدانية الروسية.
ورغم الموقف الصلب، إلا أن بوتين أبدى استعدادًا لنوع من المرونة المحسوبة، بعد تنازله عن بعض المطالب الإقليمية التي وضعها في يونيو/حزيران 2024، مكتفياً بالسيطرة الفعلية الحالية على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية.
قال مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات في روسيا، الدكتور آصف ملحم، إن موسكو منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا حددت خياراتها بشكل واضح، وأعلنت صراحة أنها تخوض "حرب وجود"، مؤكدًا أن الهدف الأساسي يتمثل في إعادة بناء النظام الدولي من جديد.
وكشف ملحم، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز، أن هذا المسار يعني كلفة اقتصادية وعسكرية كبيرة ومعقدة على روسيا، إلا أن موسكو تدرك هذه الكلفة جيدًا، وهو ما يفسر قدرتها على تحمّل العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وأشار إلى أن الهدف الجوهري لروسيا يتمثل في إنهاء الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، أو على الأقل تقليص دور الولايات المتحدة في السياسة الدولية إلى أدنى حد ممكن، وإعادتها إلى حجمها الطبيعي بما يتناسب مع عدد السكان ودخل الفرد والناتج المحلي الإجمالي، بما يحقق قدرًا أكبر من العدالة في النظام العالمي.
وشدد على أن روسيا في هذا الإطار لا تقدم تنازلات استراتيجية، موضحًا أن ما يطرح أحيانًا باعتباره تنازلًا لا يعدو كونه مناورة سياسية وتكتيكية محسوبة.
ولفت إلى أن موسكو تدرك أن الدول الغربية تناور بدورها، سواء عبر المبادرات السياسية أو من خلال خطط السلام المطروحة، بما في ذلك المبادرات التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
أوضح ملحم أن الحديث عن وقف إطلاق النار على خطوط التماس في خيرسون وزاباروجيا لا يعني من وجهة النظر الروسية القبول بتغيير الدستور الروسي أو الاعتراف بهذه المناطق كأراضٍ أوكرانية، مؤكدًا أن موسكو ما زالت تعتبر خيرسون وزاباروجيا مقاطعتين روسيتين.
وأضاف ملحم، أن روسيا قد تقدم تنازلات مؤقتة أو تكتيكية خلال فترة حكم ترامب، بهدف إعادة ترتيب أوراقها ومعالجة الثغرات، خاصة على صعيد العقوبات الاقتصادية.
وأشار إلى أن تخفيف بعض هذه العقوبات قد يمنح موسكو فرصة لتحقيق تقدم اقتصادي وتوفير سيولة مالية جديدة في ظل الكلفة المرتفعة للحرب والحاجة المستمرة إلى تمويل العملية العسكرية الخاصة.
وأكد أن هذه التحركات لا تعكس أي تغيير في الاستراتيجية الروسية، بل تندرج ضمن إطار المناورة والتكتيك، مشددًا على أن موسكو لا تثق بالغرب وتدرك أن الاتفاقات قد تنقض في أي لحظة، لافتًا إلى أن أوروبا تناور هي الأخرى وتحاول الالتفاف على بنود خطط السلام.
وقال إن روسيا تدرك أن السياسة الأمريكية قد تشهد تغيرات حتى في ظل الإدارة الحالية، وأن أي إدارة لاحقة قد تعيد النظر في التفاهمات القائمة، ولذلك تسعى موسكو إلى فترة تهدئة تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات لتخفيف آثار العقوبات وتأمين موارد مالية جديدة.

من جانبه، قال خبير العلاقات الدولية، الدكتور محمد عثمان، إن روسيا خلال المرحلة الراهنة تتمتع بحالة من التفوق العسكري الكبير، وهو ما يمنحها قدرة واضحة على مواصلة الإمساك بزمام المبادرة على الأرض.
وأكد عثمان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن القوات الروسية تحقق تقدمًا ملحوظًا على معظم المحاور القتالية، في وقت تعاني فيه أوكرانيا من نقص حاد في العتاد والذخائر، إلى جانب تراجع واضح في أعداد الأفراد المقاتلين.
وأشار إلى أن هذا المشهد الميداني يتزامن مع انخفاض كبير في مستويات الدعم الاقتصادي والعسكري الغربي المقدم لكييف، وهو ما انعكس بشكل مباشر على قدرة أوكرانيا على الصمود أو تنفيذ عمليات مضادة مؤثرة.
لفت عثمان إلى أن هذا التراجع في الدعم المقدم لكييف، خاصة الأمريكي، أسهم في ترجيح كفة الميزان العسكري لصالح موسكو، وخاصة وأن روسيا تتمسك بأقصى سقف لمطالبها، أو بالأحرى شروطها، في أي تسوية محتملة للصراع، والتي تشمل فرض السيطرة الكاملة على إقليم الدونباس، بما في ذلك المناطق التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.
وأضاف أن الشروط الروسية تتضمن كذلك فرض حياد دائم على أوكرانيا، مع رفض أي ترتيبات أمنية تسمح بإرسال قوات غربية إلى الأراضي الأوكرانية تحت أي مسمى.
وأكد د. محمد عثمان، أن موسكو ترى في هذه النقاط ضمانًا أساسيًا لأمنها القومي ومنع تمدد النفوذ الغربي قرب حدودها، مشددًا على صعوبة تصور تراجع روسيا عن هذا السقف المرتفع من المطالب، خاصة في ظل استمرار التفوق الروسي ميدانيًا وتراجع الدعم الغربي، وهو ما يعزز موقف موسكو التفاوضي في أي مسار سياسي قادم.