كييف تعلن استهداف ناقلة للنفط الروسي بمسيرات في البحر المتوسط
في جنوب القارة الأفريقية، في جنوب الجنوب وبعيداً عن الأضواء والضوضاء، تشتعل حرب عشواء، تدور رحاها حول سلاسل توريد المعادن الثمينة والنادرة، حيث بات الغرب ممثلاً في أمريكا وأوروبا يضع كلّ ثقله السياسي والإستراتيجي على مشروع "لوبيتو" لضرب مبادرة الحزام والطريق ومن ورائها تقويض احتكار الصين للموارد الثمينة.
وعلى مسافة 1300 كيلومتر، يقطع "ممر لوبيتر"، الذي ينطلق من ميناء لوبيتو المطل على ساحل المحيط الأطلسيّ، مناطق شاسعة من أنغولا، ومثلها تقريباً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل الوصول إلى زامبيا.
ويشمل المشروع، الذي ينتهي بشكل كامل في 2029، بناء أكثر من 800 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية بالإضافة إلى تحديث 500 من مسارات السكك الحديدية القائمة أصلا، وإجراء تحسينات في ميناء "لوبيتو".
ويربط الممر الحديدي بين 3 دول أفريقية غنية بالمعادن الحرجة الضرورية لتكنولوجيا الطاقة النظيفة، حيث تعد الكونغو وزامبيا من أكبر المنتجين للنحاس في القارة الأفريقية، كما تمتلك أنغولا احتياطيات هامة وضخمة لعدد من المعادن الحرجة، وتعد الكونغو الديمقراطية أكبر منتج للكوبالت في العالم (زهاء 50 % من الإنتاج العالمي).
وعلى الرغم من إنشاء الشركات الصينية لمسار السكة الحديدية في نسختها الأولى، (2006-2015)، إلا أنّ المشروع برمته بات يحظى بامتياز أوروبي آسيوي صرف.
وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لهذا المشروع، كـ"حبل نجاة طاقي وتعديني"، من الطّوق الصيني الذي تفرضه بكين على الموارد الثمينة والنادرة، التي تحظى بشبه احتكار عالميّ لها.
وتُعوّل الولايات المتحدة على ممر "لوبيتو" ليكون الخيط الناظم لسلسلة التوريد الجديدة للمعادن الثمينة والنادرة من الكونغو إلى أسواقها، وهو المشروع الذي قد يمثل ضربة قوية للمنظومة التعدينية الصينية.
وكان قد عبر الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عن هذا التصور بشكل واضح عندما قال خلال قمة مجموعة العشرين في العام 2023، إنّ ممر "لوبيتو" ليس مجرد ممر للتعدين بل هو شريان للنمو الاقتصادي ونموذجا استثماريا أكثر شفافية وتنمية للمجتمعات المحلية مقارنة بـ"القروض والديون" الصينية، وفق تعبيره.
وتمثل هذه العبارة عنوان التحرك الغربي في جنوب القارة، حيث السعي إلى خلق بدائل عن طريق الحزام والمبادرة الصيني، وضرب الاحتكار الصيني للمعادن، واستحثاث الدول الإفريقية على التمرد ضدّ الشريك الصينيّ والبحث عن نماذج استثمارية مغايرة لنموذج "الاقتراض من الصين".
وتؤكد المصادر السياسية الأمريكية أنّ واشنطن وشركاءها قاموا بتعبئة مالية تجاوزت الـ60 مليار دولار لدعم المشاريع العالمية، ويعدّ ممر "لوبيتو" أهمّها على الإطلاق.
كما التزمت واشنطن بتقديم دعم مالي يتراوح بين 250 و550 مليون دولار، للمشاريع الاقتصادية المرتبطة بالممر، لتعزيز قدرة الشركات الغربية على التعدين.
ويُشير الخبراء الاقتصاديون إلى أنّ واشنطن تبتغي ربط الممرّ بالمحيط الهندي (عبر تنزانيا من خلال ممر تزارا)، ليكون حلقة وصل بين المحيط الأطلسي والهندي، بما يمكن من إنشاء سلسلة "توريد وتصدير" تربط بين القارات الثلاث، (أفريقيا وأمريكا وآسيا)، الأمر الذي قد يخلق شبكة منافسة حقيقية لشبكة النفوذ الصيني.
أما أوروبياً، فـإنّ بروكسيل عازمة على تقديم كافة أوجه الدعم (التمويل ودراسات الجدوى، والمساعدات التقنية واللوجستية)، لاستكمال هذا المشروع الذي يندرج ضمن مشاريعها العملاقة في مجال الطاقة النظيفة والألياف الضوئية وغيرها.
كما تسعى إلى المحافظة على نوعية وطبيعة الأطراف المشغلة للممر والحيلولة دون إعادة تفعيل الامتياز للشركات الصينية، حيث تحظى شركتا ترافيغور (سنغافورة / متعددة الجنسيات)، وموتا إنجيل (البرتغال وبلجيكا) على امتياز التشغيل والإشراف التام على الممر، على مدى 30 عامًا.
ويمثّل "ممرّ لوبيتو"، درّة تاج المشاريع الغربية في جنوب القارّة الإفريقيّة، من عدّة مستويات، أوّلها التقليل من زمن نقل المعادن بشكل كبير مقارنة بالطرق التقليدية.
فلئن كانت رحلة المعادن من مصادرها إلى ميناء "ديربان" في جنوب أفريقيا تتجاوز الـ25 يومًا، وإلى ميناء "دار السلام" في تنزانيا تفوق الـ20 يوماً، فإنّ رحلة المعادن إلى ميناء لوبيتو، لن تتجاوز – وفق مصادر ميدانية مطلعة- الأسبوع الواحد، (بعض المصادر تشير إلى فترة الخمسة أيام فقط).
غير أنّ الأهم من الزمن التعديني، يكمن في المعادن الثمينة والنادرة بحدّ ذاتها، إذ تسعى واشنطن إلى الحصول على حصتها من كعكة المعادن في الكونغو، والتي تمثل خزان أفريقيا التعديني، وذلك من خلال دعم مشاريع اقتصادية غربية تعدينية في المنطقة.
وتؤكد مصادر إعلامية واقتصادية أمريكية أنّ العجز الذي أبدته إدارة ترامب في حرب الرسوم الجمركية التي أعلنتها تقريباً على كافة دول العالم، حيال الصين، واختيارها لهدنة اقتصادية ضدّ التوغل والتغول الصيني، يعود أساساً إلى احتكار بيكين لمنظومة المعادن الثمينة والنادرة من الاستخراج إلى التوريد إلى التثمين إلى التصدير.
وتلعب هذه المعادن دوراً أساساً في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، والهواتف الذكية، والحواسيب النقالة، والأجهزة الكهربائية.
ورفعت كبريات شركات التكنولوجيا ومؤسسات الرقمنة الأمريكية "الفيتو" ضدّ استمرار العقوبات الأمريكية الجمركية على الصين، بعد فرض الأخيرة عقوبات مماثلة، الأمر الذي حال دون دخول الشرائح الرقيقة للأسواق الأمريكية، ما أصابها بالجمود وكاد أن يعرضها لمخاطر الإفلاس.
وبناء على كلّ ما سبق، تريد واشنطن من خلال ممر لوبيتو ضمان وصول شركات التكنولوجيا إلى معادن الكوبالت والنحاس والليثيوم (وهي المعادن الضرورية لصناعة السيارات الكهربائية والرقائق).
في المقابل، يؤكد المراقبون أنّ للممر مكاسب لفائدة الدول الأفريقية الثلاث المذكورة، فعلاوة عن "المركزة" المفترضة لسلاسل توريد المعادن على هذا الممر في مقابل الابتعاد عن الممرات الأخرى (جنوب إفريقيا + تنزانيا) البعيدة والخطيرة أيضًا، فإنّ الممر سيشتغل بطريقة عكسية، حيث إنه من المقرر أن يسهل وصول الصادرات الأمريكية لأفريقيا، وهي صادرات مهمة تشمل الوقود والمعدات الثقيلة والسلع الاستهلاكية وغيرها.
كما يلعب هذا الممر، دوراً إستراتيجياً أساسياً من حيث تنويع اللاعبين الإقليميين والدوليين، وعدم ارتهان الدول الأفريقية الثلاث على اللاعب الصيني.
فتعدّد الخيارات الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية كفيل بتوسيع دوائر اتخاذ القرار وبخلق هوامش تحرك أفضل في التفاوض مع العملاق الصيني الذي يبقى وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره الفاعل الاقتصادي والتعديني الأول في القارة الأفريقية.
فما تزال الشركات الصينية تسيطر على جزء واسع من سلسلة توريد المعادن الحيوية في الكونغو الديمقراطية، فهي تسيطر على 80% من مناجم النحاس، و76% من إنتاج الكوبالت، و85% من المعادن النادرة.
كما انّ الممر في صبغته البكر وصيغته الأساسية كان من إنشاء صيني صرف، وهو ما يثبت أسبقية العقل الصيني في الاهتمام والالتفات لهذه الموارد، عن العقول السياسية والإستراتيجية الأمريكية والأوروبية.
وعلى الرغم من الامتياز الذي تحظى به الشركة السنغافورية والبرتغالية لتشغيل الممرّ على فترة 30 سنة كاملة، فإنّ إعلان بيكين خلال منتدى التعاون الصيني الإفريقي عن خططها الكثيرة لتجديد وتطوير البنية التحتية لخطط السكك الحديدية، قرئ كأول ردة فعل صينية رسمية عن "ممر لوبيتو".
وتشير مصادر إعلامية صينية مطلعة في هذا السياق، إلى أنّ الصين انخرطت بشكل كبير في تعزيز مشاريعها اللوجستية البديلة في المنطقة مثل دعم وتطوير ممرّ "تزارا" الذي يربط زامبيا وتنزانيا بموانئ المحيط الهندي بما فيها دار السلام، ويمثل هذا الإجراء ضربة استباقية للمشاريع الأمريكية الرامية لربط المحيط الأطلسي بالهندي. كما تعهدت الصين، مؤخراً، بتقديم دعم مالي كبير لأفريقيا.