logo
العالم

تغيير السلطة يفرض نفسه.. هل تهدد موجة جيل "زد" القارة الأفريقية؟

متظاهرين في مدغشقرالمصدر: (أ ف ب)

في سابقة جديدة تُضاف إلى سلسلة التحولات السياسية في أفريقيا، أطاحت احتجاجات قادها جيل "زد" في مدغشقر بالرئيس أندريه راجولينا، الذي فرّ من البلاد بعد أن استولى الجيش على السلطة. 

وذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها راجولينا نفسه في قلب ثورة شبابية؛ فقد وصل إلى الحكم في عام 2009 بالطريقة نفسها، عندما أطاحت انتفاضة شبابية بسلفه بدعم من الجيش.

لكن ما يميز احتجاجات هذا العام هو أنها لم تكن مجرد انفجار محلي، بل جزء من موجة عالمية يقودها الجيل الرقمي ضد أنظمة حكم يعتبرها متقادمة وفاسدة؛ فمن نيبال إلى بنغلاديش وسريلانكا، تتكرر الظاهرة نفسها: شباب غاضب، منظم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قادر على إسقاط حكومات خلال أسابيع قليلة.

وفي مدغشقر، أعلن المتحدث باسم الحركة الشبابية، إليوت راندريماندراتو، أن "ما تحقق هو نصف نصر"، مؤكدًا أن سقوط الرئيس لم يكن ليحدث لولا تضافر الضغط الشعبي مع انحياز جزء من الجيش. 

أخبار ذات علاقة

تنصيب العقيد ميخائيل راندريانيرينا رئيسًا جديدًا للبلاد

مدغشقر.. "جيل زد" بين آمال التغيير ومخاوف عودة الفساد

ومع أن البلاد باتت تحت حكم عسكري بقيادة الجنرال مايكل راندريانيرينا، فإن الشباب يؤكدون أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، معركة بناء نظام يعكس تطلعاتهم.

صدى مدغشقر يتردد في أفريقيا

ما حدث في مدغشقر لم يُفهم كحدث معزول، بل كجرس إنذار لبقية القارة؛ فمع كون أفريقيا هي القارة الأصغر سنًّا في العالم، حيث يشكل الشباب أكثر من نصف السكان، تكتسب الاحتجاجات السياسية طابعًا متسارعًا لا يمكن تجاهله.

في كينيا، فقد تحولت احتجاجات جيل "زد" ضد مشروع قانون مالي إلى انتفاضة سياسية واسعة طالبت بإسقاط النظام، وسقط خلالها عشرات القتلى. وفي أوغندا، اندلعت مظاهرات شبابية ضد الفساد المستشري، رغم القمع الأمني الذي يمارسه الرئيس يويري موسيفيني، الحاكم منذ أربعة عقود.

ويقول الخبير النيجيري كينغسلي موغالو لشبكة "سي إن إن" إن "جيل الشباب الأفريقي بات واعيًا لقوته السياسية أكثر من أي وقت مضى"، محذرًا القادة من تجاهل مطالبهم. 

وأضاف: "القادة الذين لا يؤدون عملهم على أكمل وجه يجب أن يكونوا حذرين للغاية؛ فجيل Z لا ينتظر الانتخابات، بل يصنع التغيير بنفسه"

أخبار ذات علاقة

الاحتجاجات في البيرو

يقودها "جيل زد".. بيرو تدخل حالة طوارئ بعد تظاهرات اجتاحت ليما (فيديو)

ويرى المحلل الجنوب أفريقي سويكاني نكوبي أن سقوط راجولينا "قد يعيد الحيوية إلى الحركات الاحتجاجية التي خمدت في بلدان عدة"؛ فنجاح الشباب في مدغشقر قد يتحول إلى نقطة إلهام جديدة، تدفع موجة ثانية من الاحتجاجات في مناطق هدأت مؤقتًا مثل موزمبيق وكينيا.

بين الحكم العسكري وفشل الأنظمة المدنية

تضع التحولات المتسارعة في مدغشقر القارة الأفريقية أمام سؤالٍ جوهري: لماذا تتكرر الانتفاضات والانقلابات، ولا تتبدل نتائجها؟ فمنذ سنوات، تواجه القارة سلسلة أزمات حكم عميقة، تمتد من الفساد وضعف الخدمات إلى الاستبداد والعسكرة.

ففي كينيا، تحدى الرئيس ويليام روتو الدعوات إلى التنحي بعد مظاهرات دامية، قائلًا بسخرية: “من يظن أنه قادر على إسقاط الحكومة قبل انتخابات 2027، فليجرّب”؛ أما في أوغندا، فيواصل موسيفيني، البالغ 81 عامًا، التمسك بالسلطة رغم الاحتجاجات المتكررة والاتهامات بالفساد.

هذه الأنظمة، سواء أكانت عسكرية أم مدنية، تتشارك سمة واحدة: الجمود السياسي في مواجهة التغيير الاجتماعي المتسارع.

وفي المقابل، يتمتع جيل "زد" بخصائص فريدة تجعله خصمًا صعبًا؛ فهو جيل متصل بالعالم، يمتلك أدوات التنظيم عبر الإنترنت، ويعبّر بلغته الخاصة، والميمات، والفيديوهات القصيرة، والحملات الفيروسية، عن غضبه السياسي بطريقة تتجاوز الرقابة والتقاليد.

أخبار ذات علاقة

تعبيرية

لماذا يعاني "جيل زد" من القلق أكثر من غيره؟

لكن رغم نجاحاته الجزئية، فلا يزال هذا الجيل يواجه معضلة الاستمرارية؛ ففي حين استطاع طلاب بنغلاديش إيصال حائز  نوبل محمد يونس إلى الحكم، انتهت احتجاجات مدغشقر إلى سلطة عسكرية قد تعيد إنتاج النظام القديم بثوبٍ جديد؛ وهو ما يثير سؤالًا جوهريًّا: هل يستطيع الشباب تحويل الغضب إلى مؤسسات ديمقراطية حقيقية؟

من جانبه، يرى موغالو أن "فشل الحكم في أفريقيا هو التحدي الأكثر أهمية في القارة؛ لأنه متجذر في غياب المحاسبة والعدالة الاجتماعية". 

ويضيف أن "جيل Z خطير على الزعماء الأفارقة لأنهم ببساطة لا يملكون ما يخسرونه؛ نصفهم عاطلون عن العمل، وكلهم متصلون بالعالم، وكلهم غاضبون".

قارة على حافة التحول

ما يجري في مدغشقر ليس مجرد أزمة داخلية، بل مرآة لحالة أفريقية أوسع؛ فبين جيلٍ شابٍّ يطالب بالمستقبل وأنظمةٍ عتيقةٍ تتشبثُ بالماضي، تقف القارة أمام مفترق تاريخي جديد. 

وإذا لم تستجب الحكومات لمطالب التغيير والإصلاح، فإن "ثورات الجيل زد" قد تصبح القاعدة الجديدة للسياسة الأفريقية، لا الاستثناء.

لا يملك جيل "زد" حزبًا أو زعيمًا واحدًا، لكنه يملك ما هو أخطر: الوعي الجمعي والغضب المشترك، وهما الوقود الذي قد يشعل جولة جديدة من التحولات في قلب القارة السوداء.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC