تحاول أوروبا استعادة مكانتها في أفريقيا، في مواجهة منافسة بكين وواشنطن، فمن ممر "لوبيتو" إلى "تازارا"، تتنافس القوى الكبرى على الوصول إلى النحاس والكوبالت في القارة السمراء عبر السكك الحديدية.
تَعِد دول الاتحاد الأوروبي بطي صفحة "النهب"، وإصلاح وبناء سلاسل قيمة محلية في إطار مبادرة "البوابة العالمية"، مقدمةً نفسها كـ"شريك أخلاقي" في التحول الأخضر، لكنها تحاول اللحاق بالصين، المهيمنة بالفعل على المعادن الأساسية، ومنافسة الأمريكيين.
وبين أنغولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يلعب الغرب بورقته الرابحة؛ إذ أعلن المفوض الأوروبي جوزيف سيكيلا أخيراً عن استثمارات بقيمة 116 مليون يورو في ممر لوبيتو، وهو خط سكة حديد استراتيجي يمتد لأكثر من 1700 كيلومتر، ويمر عبر حزام النحاس من كولويزي إلى ميناء لوبيتو الأطلسي.
ويعد هذا الخط الحديدي شرياناً معدنياً حقيقياً، مُصمّماً لنقل النحاس والكوبالت اللازمين للبطاريات وتوربينات الرياح والهواتف الذكية، مباشرةً إلى سفن الشحن التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة.
والهدف واضح، وهو تخفيف قبضة الصين؛ إذ تسيطر بكين على الموانئ الرئيسة في شرق أفريقيا، وتُهيمن بالفعل على مُعظم صناعة التكرير في العالم.
مع لوبيتو، أصبح لدى الغرب أخيرا طريقٌ لتدفق النفط عبر المحيط الأطلسي، قادرٌ على تجاوز طرق المحيط الهندي المُزدحمة، وتأمين المعادن الأساسية اللازمة للتحول الأخضر.
ويكمن وراء السباق مع الزمن، تجنب تكرار خطأ الاعتماد على الغاز الروسي مع مواد الكوبالت أو الليثيوم.
وبالنسبة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر، يُعدّ تحديث الممرّ وعدًا - وإن كان نظريًا - بفوائد محلية وتنمية اقتصادية.
لكن بكين تُسرّع جهودها؛ إذ كشف تقرير لمجلة "لوبوان" الفرنسية يوم الجمعة عن إحياء الصين ممر تازارا (هيئة سكك حديد تنزانيا-زامبيا)، وهو خط سكك حديدية بطول 1860 كيلومتراً يربط بين حزام النحاس في زامبيا وميناء دار السلام.
ولُقّب تاريخياً بـ"سكة حديد الحرية"، وبنته الصين في سبعينيات القرن الماضي لمساعدة زامبيا، التي لا تملك منفذاً بحرياً، على تجاوز روديسيا وجنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري.
ومن المقرر إعادة تأهيل الممر بتكلفة تزيد على مليار دولار بهدف زيادة الشحن من أقل من 500 ألف طن إلى مليوني طن سنوياً.
وبمواجهته لممر لوبيتو، المؤدي إلى المحيط الأطلسي، يفتح خط تازارا الطريق إلى المحيط الهندي، في ممرين، بهدف مشترك واحد: حزام النحاس.
أما في جنوب القارة، وتحديدا في جنوب أفريقيا، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي في 20 نوفمبر تشرين الثاني عن حزمة مساعدات بقيمة 750 مليون يورو، لا تهدف إلى تقديم مساعدات تقليدية، بل إلى إنعاش القطاع الصناعي.
وترتكز هذه الخطة إلى شركة ترانسنت، وهي شركة لوجستية مملوكة للدولة، تعاني من شلل تام بسبب البنية التحتية المتهالكة.
ويضخ بنك الاستثمار الأوروبي 350 مليون يورو لتحديث السكك الحديدية والموانئ وخطوط الأنابيب، وهي ضرورية لتصدير الفحم والمعادن.
أما الشريحة الثانية بقيمة 330 مليون يورو فتستهدف القطاعات ذات التوجه المستقبلي - الهيدروجين الأخضر، والبطاريات، والمعادن الأساسية - بدعم فني من بنك التنمية الألماني والوكالة الألمانية للتعاون الدولي.
وتشترط بريتوريا الآن بأن يتم التحول محلياً. ولذلك، تتضمن الاتفاقية مشاريع مشتركة لتكرير وإعادة تدوير وتصنيع بطاريات المركبات الكهربائية محلياً.
خلف هذه الوعود، يسود سوء فهم؛ إذ يتحدث الجميع عن "القيمة المضافة"، ولكن ليس بالطريقة نفسها. بالنسبة للمصنعين الأفارقة، يعني هذا نقلة نوعية في السوق، ومعالجة المعادن محليا، وتصنيع البطاريات والمركبات الكهربائية، وإنشاء مصانع ووظائف محلية.
لكن خلف مذكرات التفاهم، يكافح الاتحاد الأوروبي للتخلص من صورته كجهة فاعلة متقلبة، فبعد أن غادر في أوقات عصيبة، يعود الآن إلى الأراضي الإفريقية.
حتى ممر لوبيتو، على الرغم من تمويله الأوروبي البالغ 116 مليون يورو، يتعرض لضغوط، وسط مخاطر على الغابات المطيرة، ونزوح المجتمعات، وفوائد غير مؤكدة للسكان المحليين.