logo
العالم

من الليثيوم إلى الكوبالت.. نيودلهي تتحدى القوى الكبرى في "القارة السمراء"

عمال مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغوالمصدر: شاترستوك

في خطوة تعكس طموحها لتعزيز أمن الطاقة، وتقليل الاعتماد على الواردات، أطلقت  الهند مبادرة استثمارية ضخمة بقيمة 4 مليارات دولار لتأمين إمدادات المعادن الحيوية حول العالم، مع تركيز خاص على القارة الأفريقية الغنية بالموارد.

وتهدف الخطة إلى ضمان سلاسل توريد مستقرة للمعادن الأساسية المستخدمة في تقنيات الطاقة المتجددة وصناعة المركبات الكهربائية، في ظل توقعات بتضاعف الطلب العالمي على بطاريات السيارات الكهربائية ومكوّنات الطاقة النظيفة 3 مرات بحلول عام 2030.

زامبيا في قلب الإستراتيجية الهندية

تحتل زامبيا موقعًا محوريًا في هذه الحملة الاستثمارية؛ فقد أرسلت نيودلهي، في يوليو/تموز، فريقًا من الجيولوجيين لاستكشاف رواسب النحاس والكوبالت، بينما خصصت الحكومة الزامبية نحو 9000 كيلومتر مربع من أراضيها لعمليات التنقيب الهندية.

ويعد الكوبالت أحد العناصر الأساسية في بطاريات الهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية، فيما يُستخدم النحاس على نطاق واسع في توليد الطاقة والبنية التحتية الإلكترونية.

أخبار ذات علاقة

المنجم الذي يغذي عالم التكنولوجيا - ويمول المتمردين في الكونغو

حرب المعادن تحتدم بين "الكبار".. ثروات أفريقيا في قلب الصفقات

هذه التحركات تأتي بعد أن حصلت شركة خانيج بيديش الهندية المحدودة (KABIL)، المملوكة للدولة، على حقوق استغلال كتل من الليثيوم في الأرجنتين، وتسعى، الآن، إلى استكمال عمليات استحواذ في زامبيا من خلال مفاوضات مباشرة بين حكومتي البلدين.

شراكات أوسع وأبعاد عالمية

لم تقتصر جهود الهند على القارة الأفريقية فحسب، بل امتدت إلى بناء شبكة شراكات عالمية لتعزيز أمن المعادن الحيوية؛ فقد وقعت نيودلهي مذكرات تفاهم مع كل من: اليابان، وأستراليا، والإمارات، وبيرو، كما تعمل على اتفاقيات ثنائية مع دول أفريقية أخرى، مثل: زيمبابوي، وموزامبيق، وملاوي، وكوت ديفوار.

وتدور، حاليًا، محادثات مع جمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن اتفاقيات أولية لتوريد الكوبالت والنحاس، فيما تشكل ناميبيا جزءًا من الخطة الأوسع عبر مشاريع استكشاف مشتركة قيد النقاش.

ويؤكد وزير الفحم والمناجم الهندي، جي كيشان ريدي، أن تخصيص بلاده 4 مليارات دولار لهذا البرنامج يتجاوز بكثير المليار دولار الذي خصصته الولايات المتحدة للقطاع نفسه، ما يعكس تصميم نيودلهي على ترسيخ مكانتها في سوق الطاقة النظيفة العالمية.

أخبار ذات علاقة

خلال استضاف  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقادة أفارقة في البيت الأبيض

الأمن يقوّض استغلال المعادن.. من يحمي الاستثمارات الأمريكية في الساحل الأفريقي؟

على الصعيد المحلي، أطلقت الحكومة الهندية إصلاحات واسعة لدعم هذه المبادرة، شملت إلغاء رسوم الاستيراد على 23 معدنًا أساسيًا، وإنشاء بورصات للفحم والمعادن لزيادة الشفافية، إضافة إلى تقديم حوافز مالية لتشجيع إعادة التدوير. 

كما أُدخلت تعديلات على قانون المعادن (MMDR) لعام 2025، لتسهيل عمليات التنقيب المتعمقة وتبسيط الإجراءات أمام المستثمرين.

وفي إطار تعزيز قاعدة المعروض المحلي، أطلقت نيودلهي جولة جديدة من المزادات شملت 23 كتلة معدنية في ولايات مختلفة، بينها: تلانجانا، والبنجاب، وأوتاراخاند، والبنغال، الغربية، ما يوسع رقعة الاستثمار داخل الهند بالتوازي مع تحركاتها الخارجية.

دلالات اقتصادية وإستراتيجية

ويرى خبراء أن الاستثمارات الهندية المكثفة في الموارد المعدنية الأفريقية تعكس سعيها إلى بناء نفوذ اقتصادي طويل الأمد في القارة، إلى جانب تأمين موقع تنافسي في سباق الطاقة النظيفة العالمي. 

فبتركيزها على الدول ذات الموارد الغنية والحوكمة المستقرة، مثل: زامبيا، وناميبيا، وزيمبابوي، تمزج نيودلهي بين السياسات المالية المنضبطة والشراكات الدولية لتحقيق مكاسب مشتركة للطرفين.

أخبار ذات علاقة

منجم معدن الإلمنيت وسط أوكرانيا

سوق تسيطر عليها الصين.. كيف تخطط روسيا لتطوير المعادن الأرضية النادرة؟

ويشير محللون إلى أن هذه الإستراتيجية تمنح الهند فرصة لتعزيز مكانتها كلاعب رئيس في التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة، مع تقديم بديل جذاب لشركات التكنولوجيا ومصنّعي السيارات الباحثين عن مصادر موثوقة للمعادن الأساسية. 

وفي الوقت ذاته، توفر المبادرة فرصًا لدعم النمو الاقتصادي في أفريقيا عبر استثمارات في البنية التحتية، والتكنولوجيا، ونقل الخبرات.

بهذه الخطوة، تسعى الهند إلى إعادة رسم خريطة المنافسة العالمية على المعادن الحيوية، مستفيدة من خبرتها المتزايدة في إدارة سلاسل التوريد وتعزيز قدراتها التكنولوجية، لتؤكد أنها شريك إستراتيجي يُعتد به في مستقبل الطاقة النظيفة والصناعات المتقدمة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC