بينما يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التوصل لاتفاق لإنهاء حرب أوكرانيا "أقرب من أي وقت مضى"، تتسارع الاستعدادات البريطانية والأوروبية لنشر قوات حفظ سلام محتملة.
وتثير هذه الخطوة سؤالاً جوهرياً: هل نشهد فعلاً اقتراب تسوية سلمية، أم أن هذا مجرد مسرح سياسي وأداة ضغط على موسكو لإظهار جدية الغرب، بينما تدفع أوروبا - مرة أخرى - الفاتورة؟
في اجتماع حاسم ببرلين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أعلنت القوى الأوروبية الكبرى عن خطة لنشر "قوة متعددة الجنسيات" لفرض أي اتفاق سلام محتمل.
وفي بيان مشترك، اقترح القادة الأوروبيون القوة كجزء من "ضمانات أمنية قوية" مدعومة من الولايات المتحدة.
أشاد المستشار الألماني فريدريش ميرتس بـ"الضمانات الأمنية القانونية والمادية الجوهرية" من واشنطن، واصفاً إياها بأنها "خطوة مهمة للغاية".
وفقاً للبيان، يجب أن يحتفظ الجيش الأوكراني بقوة زمن السلام تبلغ 800 ألف جندي - ثلاثة أضعاف العدد قبل الغزو الروسي - مع آلية مراقبة وقف إطلاق النار بقيادة أمريكية. لكن خلف التفاؤل المعلن، تبقى خلافات جوهرية، إذ أكد زيلينسكي: "كان هناك حوار كافٍ حول الأراضي، وأعتقد أنه، بصراحة، لا تزال لدينا مواقف مختلفة".
وكشف مسؤول مطلع أن واشنطن تطالب أوكرانيا بالتنازل عن السيطرة على دونباس الشرقية - حيث تسيطر موسكو على كل لوغانسك تقريباً و80% من دونيتسك - لكن كييف ترفض.
التحضيرات البريطانية.. من "المرحلة التشغيلية" إلى شكوك الخبراء
في مارس 2025، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر دخول التخطيط "المرحلة التشغيلية" خلال اجتماع ضم ضباطاً من أكثر من 30 دولة.
كشفت صحيفة "The i Paper" أن القوات الخاصة البريطانية، بما فيها فوج الرينجرز ووحدات SAS، تلقت أوامر بالاستعداد، مع دراسة نشر مقاتلات تايفون لدوريات جوية.
لكن الخبراء منقسمون بشدة، فقد انتقد إد أرنولد من معهد الخدمات الملكية المتحدة (RUSI) الخطة، محذراً من أنها قد تصبح "مجوفة" وهدفاً سهلاً للروس: "لا يمكن أن تكون قوة تتجول بقبعات زرقاء؛ لأنها ستتحول فوراً إلى قوات قتالية في حال نشوب حرب".
وصف مصدر عسكري بريطاني رفيع الخطة لصحيفة Telegraph بأنها "مسرح سياسي" دون "هدف عسكري نهائي محدد"، مضيفاً أن ستارمر "تسرع في الحديث عن قوات على الأرض قبل أن يعرف عما يتحدث".
أزمة القدرات.. جيوش أوروبية منهكة
يواجه الجيش البريطاني، الذي سينخفض عدد أفراده قريباً إلى 72 ألفاً فقط - أقل رقم منذ 200 عام - تحديات هيكلية خطيرة.
يوضح أرنولد أن نشر 5 آلاف جندي يتطلب فعلياً 15 ألفاً (للإعداد والنشر والتعافي)، أي 20% من إجمالي الجيش البريطاني.
وفي تحليل نشرته مجلة Foreign Policy، كشف أن "عقوداً من نقص الاستثمار تركت الجيوش الأوروبية، باستثناء بولندا ودول البلطيق، بقوة قابلة للنشر رمزية فقط". الدول الأوروبية "ستكافح لنشر حتى 25 ألف جندي، بينما الاحتياجات الحقيقية تقدر بـ80 ألفا".
وحذر خبراء من "The Conversation" من أن بريطانيا "لا تملك الإمكانات للعمل كرادع حقيقي"، وأن الأعداد الصغيرة ستكون مجرد "عقبة سرعة" أمام هجوم روسي واسع.
الضغط الأمريكي.. "الضمانات لن تبقى للأبد"
حذر مسؤولون أمريكيون أوكرانيا من وجوب قبول الصفقة، التي ستوفر ضمانات "شبيهة بالمادة الخامسة" من الناتو. قال مسؤول: "أساس هذا الاتفاق ضمانات قوية جداً ورادع قوي في حجم الجيش الأوكراني... هذه الضمانات لن تكون على الطاولة إلى الأبد".
لكن الأخطر، كما يرى المحللون، أن المادة الخامسة من الناتو قد لا تنطبق على هذه المهمة الأوروبية لأنها ليست مهمة ناتو رسمية.
وأكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أن القوات الأوروبية المنتشرة في أوكرانيا "لا ينبغي أن تكون مشمولة بالمادة الخامسة" - ما يعني أن أوروبا ستكون بمفردها في حال استهدفتها روسيا.
الدوافع السياسية.. مقعد على طاولة المفاوضات
يرى محللو Foreign Policy أن المقترح الأوروبي-البريطاني "واضح الدوافع السياسية": مع ضغط البيت الأبيض للتفاوض على إنهاء الحرب، وجدت دول الاتحاد الأوروبي نفسها مهمشة.
يرى ستارمر وماكرون أن قوة الردع وسيلة لضمان مقعد على الطاولة ودور في إنفاذ أي سلام.
في تحليل لموقع "إرم نيوز"، يصف الخبير الأممي الفرنسي أوليفييه دو أوزون النهج الأمريكي بأنه "استغلال لأوروبا ضمن أجندة جيوسياسية أمريكية منتصرة".
يقول: "باعت الولايات المتحدة الأسلحة، واستبدلت الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المسال بسعر أعلى عشر مرات، وأضعفت موسكو دون أن تخسر جنديًا واحدًا، تاركة أوروبا تدفع فاتورة الدماء والمال... هذا مسار خالٍ من العيوب بالنسبة لواشنطن، حيث حولت الصراع إلى حرب بالوكالة بين الناتو وروسيا، وأوروبا فيها متفرج خاسر".
ويحذر من أن سحب الدعم الأمريكي يفرض على الاتحاد الأوروبي تمويل 60 مليار يورو سنويًا للأسلحة الأمريكية وإعادة تسليح نفسه، دون قيادة أو رؤية ما بعد الصراع.
الموقف الروسي.. رفض قاطع وتهديدات
حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن نشر قوات أوروبية سيعني "التورط المباشر والرسمي والمكشوف لأعضاء الناتو في الحرب ضد روسيا".
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن روسيا تتوقع من الولايات المتحدة "تزويدنا بالمفهوم الذي يجري مناقشته".
من المتوقع أن تظل موسكو غير قابلة للتسوية بشأن "القوة متعددة الجنسيات"، بالإضافة إلى مطالبها الأساسية بالأراضي وعدم انضمام أوكرانيا للناتو.
ردع حقيقي أم مسرحية سياسية؟
تمثل التحضيرات البريطانية والأوروبية محاولة لتحقيق هدفين متناقضين: إرسال رسالة سياسية قوية لروسيا وطمأنة أوكرانيا، مع تجنب الالتزام العسكري الكامل الذي تفتقر إليه القدرات الأوروبية.
كما وصفها معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية (IISS)، تواجه الفكرة "شكوكاً كبيرة حول قدرة أوروبا على القيام بمثل هذه المهمة دون دعم أمريكي مباشر".