"رويترز": أمريكا لم توافق بعد على أي مساعدات لأفغانستان بعد الزلزال
تغيّر وجه أوروبا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولم يعد الأمن مسألة نظرية أو رهانًا على التهدئة والدبلوماسية، حيث بدأت القارة العجوز تشهد تحولًا بنيويًّا في عقيدتها الدفاعية، وإعادة النظر في كل ما يتعلق بالأمن القومي، من حجم الإنفاق والتجنيد، مرورًا بإعادة صياغة العقيدة العسكرية.
وفي خطوة تجسد هذا التحول العميق، أعلنت الحكومة الألمانية عزمها تجنيد 11 ألف جندي إضافي بحلول نهاية عام 2025، ضمن خطة طموحة لتعزيز قدرات الجيش الاتحادي، في ظل تصاعد التوترات مع روسيا واستمرار الحرب في أوكرانيا.
هذا القرار لا يأتي بمعزل، بل يندرج ضمن ما بات يُعرف في أروقة القرار الأوروبي بـ"العودة الكبرى إلى العسكرة".
القرار، الذي أُقر رسميًّا خلال اجتماع لمجلس الوزراء الألماني، يُعد جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى سد العجز في أعداد الجنود، والذي بلغ مستويات حرجة في السنوات الأخيرة، إذ لا يتجاوز عدد عناصر الجيش الألماني حاليًّا 181 ألف جندي، رغم أن العدد المقرر نظريًّا هو 203 آلاف.
إلى جانب ذلك، تسعى ألمانيا إلى رفع عدد قوات الاحتياط من 33 ألفًا إلى 200 ألف، من خلال صيغة خدمة عسكرية طوعية تبدأ بتعبئة بيانات الشباب في سن 18 عامًا، وتتيح لهم الالتحاق بتدريب أساسي مدته 6 أشهر، قابل للتمديد حتى 23 شهرًا.
بحسب صحيفة "ويست فرانس"، يرى مراقبون أوروبيون أن هذا التوجه الألماني يمثل جزءًا من تحول أوسع تشهده القارة، يتمثل فيما يُعرف بـ"العسكرة الوقائية"؛ أي إعادة بناء الجيوش ليس فقط لمواجهة خطر آني، بل استعدادًا لصراع طويل الأمد مع روسيا.
وقال الجنرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية في حلف الناتو: "نحن بحاجة لأن ندرك أن السلام لم يعد أمرًا مفروغًا منه؛ يجب علينا إعداد الجبهات النفسية لتجنيد احتياطيات كبيرة وتوسيع قدراتنا الدفاعية الآن، لا عندما ينفجر الصراع".
أما فرنسا، فقد رفعت ميزانيتها الدفاعية إلى أكثر من 59 مليار يورو، رقم غير مسبوق في تاريخها الحديث، وتُراهن على تطوير صناعاتها الدفاعية واستعادة هيبتها الاستراتيجية، بعد الأزمات في منطقة الساحل ولبنان وأوكرانيا.
في أقصى شرق أوروبا، تُعد بولندا من أكثر الدول اندفاعًا نحو تعزيز قدراتها العسكرية؛ إذ وضعت هدفًا واضحًا يتمثل في بناء أكبر جيش أوروبي بحلول عام 2035، من خلال رفع تعداد قواتها إلى 300 ألف جندي (بين نظامي واحتياطي)، مقارنة بـ128 ألفًا حاليًّا.
وقد ترافق هذا التوسع مع زيادات ضخمة في الميزانية الدفاعية، واستيراد أسلحة متقدمة من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
وبدورها تسير دول البلطيق في الاتجاه نفسه؛ على سبيل المثال، أعادت لاتفيا فرض الخدمة العسكرية الإلزامية اعتبارًا من 1 يناير/كانون الثاني 2024، بعد إلغائها عام 2006.
هذا القرار يعكس مخاوف جدية من تكرار السيناريو الأوكراني، خصوصًا في ظل وجود أقليات روسية داخل تلك الدول، واحتمال استغلال موسكو لها لتبرير تدخلات مستقبلية. أما السويد وفنلندا، فقد ضاعفتا استثماراتهما الدفاعية بالتزامن مع انضمامهما إلى الناتو.
رغم الارتفاع الكبير في موازنات الدفاع، تواجه الدول الأوروبية معضلة حقيقية في العثور على مجندين.
وبحسب تقرير صادر عن معهد "IISS" البريطاني نهاية عام 2024، تراجع عدد الجنود النظاميين في الاتحاد الأوروبي من 3.4 ملايين عام 1989 إلى نحو 1.3 مليون فقط حاليًّا؛ والتحذير واضح: "لا تكفي الأموال إن لم يكن هناك من يحمل السلاح".
ويعكس هذا التراجع أزمة عميقة في العلاقة بين الشباب الأوروبي والمؤسسة العسكرية.
وبحسب مراقبين ودراسات حديثة، لا تتماشى الخدمة العسكرية مع طموحات الشباب الاقتصادية أو القيم الاجتماعية التي يتبنونها؛ لذلك تسعى الحكومات، خصوصًا في ألمانيا وفرنسا، إلى تسويق الجيش كمهنة مستقبلية توفر التدريب والفرص التعليمية، بدلًا من فرضها كواجب وطني فقط.
وتؤكد "ويست فرانس" أن أوروبا ما بعد 2022 لم تعد كما كانت؛ فالتحولات الأمنية التي تشهدها القارة عميقة وسريعة، تقودها مخاوف من صراع طويل الأمد مع موسكو، ومن انسحاب محتمل للولايات المتحدة من التزاماتها داخل حلف شمال الأطلسي.
ورأت الصحيفة أن النتيجة واضحة وهي عسكرة حثيثة، وأن بدت مترددة في بعض جوانبها، تدفع نحو قارة أكثر تسلحًا، وأكثر قلقًا، وأقل إيمانًا بالحياد.