تزداد الشكوك حول حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" المقرر عقدها الأسبوع الجاري في لاهاي، في وقت تتصاعد فيه التقديرات بأن كييف لم تعد ضمن أولويات واشنطن، وتحديدًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي باتت مواقفه متذبذبة تجاه دعم أوكرانيا.
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن مسؤولين أوكرانيين أن زيلينسكي قد يتغيب عن القمة المرتقبة بسبب غياب أي ضمانات تؤكد حضور ترامب، ما يعكس، وفقًا للصحيفة، توترًا متزايدًا في العلاقات بين كييف وواشنطن.
وذكرت الصحيفة أن زيلينسكي يشعر بخيبة أمل متزايدة، خاصة بعد عدم عقد اللقاء المنتظر مع ترامب على هامش قمة مجموعة السبع الأخيرة في كندا، حيث غادر ترامب القمة بشكل مفاجئ قبل الاجتماع الثنائي المقرر.
وفي ظل هذه المؤشرات، يبدو أن غياب ترامب عن قمة لاهاي قد ينعكس على قرار زيلينسكي النهائي بالمشاركة من عدمها، خاصة أن الأسبوع الجاري يحمل اختبارًا حرجًا لعلاقة كييف بحلفائها الغربيين، وتحديدًا واشنطن؛ فهل يكون غياب زيلينسكي إشارة صريحة على تراجع الاهتمام الدولي بحرب لم تُحسم بعد؟
أكد خبراء أن احتمالية غياب زيلينسكي عن قمة الناتو المرتقبة تعود إلى تراجع أهمية حضوره بالنسبة لدول الحلف، في ظل انشغال القادة، خاصة الأمريكيين، بملفات أخرى، أبرزها التصعيد الإيراني - الإسرائيلي.
خبراء قالوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" إن بعض زعماء الناتو يفضلون تهيئة الأجواء لحوار مباشر مع الرئيس الأمريكي، في وقت لم تبد فيه القمة أي مؤشرات على صدور قرارات حاسمة لصالح أوكرانيا.
وأوضحوا أن الأزمة الأوكرانية باتت تأخذ طابعًا اعتياديًا في أجندة الناتو، مقارنة بالأولوية التي بات يحظى بها الملف الإيراني.
ورجّح الخبراء أن تراجع الدعم الأمريكي لزيلينسكي قد يدفعه للاعتماد أكثر على الجانب الأوروبي، في وقت تسعى فيه روسيا لاستثمار هذا التراجع وتحويل الملف الأوكراني إلى ورقة مساومة ضمن صفقة جيوسياسية أكبر.
أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، الدكتور نبيل رشوان، أن إلغاء مشاركة الرئيس الأوكراني في قمة الناتو المقررة يومي 24 و25 يونيو/ حزيران الجاري، يعود إلى عدة أسباب.
وقال رشوان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن دول الحلف قلّلت من أهمية الحضور الدبلوماسي لزيلينسكي، كما أن زعماء الناتو يسعون لتوفير أجواء مناسبة للرئيس الأمريكي ترامب، خاصة بعد مغادرته قمة مجموعة السبع (G7) قبل موعدها المحدد.
وأشار إلى أن دول الحلف تسعى إلى فتح حوار مباشر مع الرئيس ترامب، لا سيما بعد أن رفعت ميزانياتها الدفاعية إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، وهو ما يعكس تحولًا واضحًا في استراتيجيات الحلف.
وأضاف أن اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران ساهم في إعادة ترتيب أولويات جدول أعمال القمة، حيث بات الملف الإيراني - الإسرائيلي يتصدر الاهتمام الدولي على حساب الأزمة الأوكرانية، ما يرجّح غياب زيلينسكي عن المشاركة.
ولفت إلى أن زيلينسكي اعتاد حضور القمم السابقة باعتبار أوكرانيا دولة شريكة للناتو، إلا أن الوضع هذه المرة يبدو مختلفًا.
وأوضح رشوان أن تصريحات وزير الخارجية الأوكراني التي ربط فيها مشاركة زيلينسكي بصدور قرار واضح يخص أوكرانيا، تُرجّح عدم صدور مثل هذا القرار، وبالتالي غياب الرئيس الأوكراني عن القمة.
وأكد رشوان أن الرئيس ترامب لا يزال عاجزًا عن حسم الأزمة الأوكرانية، في ظل تمسك روسيا بشروطها الصارمة دون تقديم أي تنازلات، وفي مقدمتها: منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، ونزع أسلحتها، والتخلص من "النازيين الجدد"، إضافة إلى اعتراف كييف بضم المقاطعات الأربع إلى روسيا، فضلًا عن شبه جزيرة القرم.
وأشار المحلل السياسي إلى أن وجود زيلينسكي في قمة الناتو يشكل ضغطًا نفسيًا على ترامب، وهو ما يفسر انسحابه المبكر من قمة مجموعة السبع، رغم أن جدول أعماله كان يتضمن لقاءً مع الرئيس الأوكراني، بعد أن أدرك أنه غير قادر حتى اللحظة على إحداث اختراق حقيقي في الأزمة.
من جانبه، أوضح مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إبراهيم كابان، أن انشغال حلف الناتو، بجناحيه الأوروبي والأمريكي، ينصب اليوم بشكل كبير على الأزمة الإيرانية، التي باتت تحظى بالأولوية وتستحوذ على معظم الاهتمام السياسي والإعلامي، وهو ما أثّر على حجم التعاطي مع الملف الأوكراني.
وأكد كابان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن المسألة الأوكرانية باتت أشبه بـ"قضية اعتيادية" بالنسبة للناتو، إذ يتعامل معها وفق استراتيجية ثابتة بالتنسيق مع القيادة الأوكرانية، وفي الوقت نفسه تحاول روسيا استخدام الملف الأوكراني كورقة تفاوضية ضمن مساوماتها السياسية.
وأشار إلى أن تداخل الملفين الأوكراني والإيراني قد يفتح المجال أمام مفاوضات شاملة مستقبلًا، مؤكدًا أن دول الحلف – ولا سيما الأوروبيين – لن يتراجعوا عن دعم أوكرانيا، في حين بدأ الدعم الأمريكي يشهد تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، أن أوروبا تعتبر الأزمة الأوكرانية مسألة مصيرية، ورغم ذلك لا تزال الولايات المتحدة تتردد في تقديم دعم مباشر لأوكرانيا، خشية أن يؤثر ذلك على موقفها من الأزمة الإيرانية، أو يفتح الباب أمام تدخل روسي أوسع قد تترتب عليه كلفة باهظة.
وتابع: "هناك مؤشرات على تراجع الدعم الأمريكي لزيلينسكي، ما يدفعه للاعتماد بشكل متزايد على الشركاء الأوروبيين، رغم أن التنسيق بين واشنطن والعواصم الغربية لا يزال قائمًا".
ولفت إلى أن تزامن الحرب الروسية الأوكرانية مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني قد يدفع روسيا للسعي إلى صفقة أو تسوية كبرى تشمل أزمات متعددة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات دراماتيكية في المشهد الجيوسياسي.
وأشار إبراهيم كابان إلى أن الاجتماع المقبل لحلف الناتو سيكون له دلالات مهمة، خاصة أنه سيركز على تطورات الحرب بين إسرائيل وإيران، بعد أن فتحت هذه المواجهة جبهة جديدة، ما يجعل الملف الإيراني - الإسرائيلي يتقدم على الملف الأوكراني في أولويات الحلف.