عيّن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطوة تعكس الحاجة الملحّة لإعادة ترتيب الأوراق العسكرية، قائدًا جديدًا للقوات البرية، الجنرال غينادي شابوفالوف، خلفًا لسلفه الذي استقال عقب ضربة روسية استهدفت معسكرًا تدريبيًا للجيش الأوكراني وأوقعت قتلى وجرحى.
وسبق لشابوفالوف أن شغل منصب منسق المساعدات العسكرية في ألمانيا، وقاد المنطقة العسكرية الجنوبية، وهو ما يمنحه خبرة ميدانية وإدارية قد تكون مطلوبة لإدارة مرحلة صعبة من الحرب، وفقًا لتحليل المراقبين للحرب الروسية الأوكرانية.
وشدّد الرئيس الأوكراني على أنه يعوّل على خبرة قتالية حقيقية، مؤكدًا أن التغييرات ضرورية وأن تحديث الأداء العسكري لم يعد خيارًا، بل مسألة إلزامية، في إشارة واضحة إلى ما يعتبره كثيرون حالة جمود باتت تسيطر على القيادة الميدانية الأوكرانية.
قرار التغيير العسكري لا يمكن فصله عن مجمل المشهد الاستراتيجي، حيث تحرز القوات الروسية تقدمًا ملحوظًا منذ أكثر من عام، وتحديدًا في منطقة سومي القريبة من الحدود، والتي تسعى موسكو للسيطرة عليها منذ بداية العمليات العسكرية.
وفي خضم هذه الخطوة، خفَت الحديث عن المفاوضات السياسية خلال الأسابيع الماضية، في ظل انشغال الحليف الأمريكي الأكبر، واشنطن، بملفات الشرق الأوسط، خصوصًا مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران.
ومع هذا التبدل في القيادة العسكرية، وتراجع الزخم السياسي حول طاولة التفاوض، تطرح التطورات الأخيرة تساؤلات حول مستقبل الحرب ومساراتها المحتملة؛ فهل يحمل الجنرال الأوكراني الجديد خطة لقلب موازين الحرب الروسية، وما إذا كانت تسعى كييف فعلًا إلى صياغة تكتيكات جديدة لفرملة التقدم الروسي، في ظل غياب أفق سياسي واضح؟
وأكد الخبراء أن تعيين زيلينسكي لقائد جديد للقوات البرية يعكس محاولة لإعادة ضبط التكتيكات العسكرية بعد ما وصفوه بحالة استنزاف تعيشها أوكرانيا في ظل التقدم الروسي على الجبهات.
وأشار الخبراء في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" إلى أن هذا القرار يُعد اعترافًا ضمنيًا بفشل الاستراتيجية السابقة، ومحاولة لتحفيز المؤسسة العسكرية على التجديد والابتكار، في وقت باتت فيه الكفّة تميل لصالح موسكو عسكريًا ومعنويًا.
وأضاف الخبراء أن تراجع الحديث عن المفاوضات يعبّر عن تحوّل في أولويات الغرب، حيث بدأت بعض العواصم الأوروبية تميل إلى الواقعية السياسية وتقليل التصعيد، وفي الوقت نفسه لم تعد واشنطن تضغط على مسار التفاوض بالزخم السابق نفسه.
واعتبر الخبراء أن كييف من جانبها ترى أن الحرب باتت معركة وجود، لا تحتمل الرهان على مفاوضات غير مضمونة، خصوصًا في ظل استمرار الهجمات الروسية واستنزاف الداخل الأوكراني.
وقال مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديميتري بريجع، إن تعيين زيلينسكي لقائد جديد للقوات البرية في هذا التوقيت الحساس لا يأتي من فراغ، بل يُعد انعكاسًا لحالة استنزاف عسكري ومعنوي تمر بها كييف، في ظل التقدم الروسي المستمر على الجبهات الشرقية والجنوبية.
وأكد بريجع، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن هذا التغيير في القيادة العسكرية يُقرأ بوضوح كمحاولة لإعادة ضبط التكتيكات العسكرية، والتخلّص مما بات يُنظر إليه داخل المؤسسة العسكرية الأوكرانية كجمود في الأداء وغياب للابتكار في الميدان.
وأشار بريجع إلى أن الرئيس الأوكراني يدرك تمامًا أن الحرب لم تعد سجالًا بين طرفين متكافئين، بل تحوّلت إلى صراع استنزاف طويل، تميل فيه الكفّة لصالح روسيا بفضل تفوقها العددي، وتفوقها في الذخيرة والإنتاج العسكري المحلي، إلى جانب تماسك جبهتها الداخلية.
وأوضح أن تغيير القائد العسكري في هذا الظرف يُعد، في جوهره، اعترافًا ضمنيًا بفشل الاستراتيجية السابقة، ومحاولة لإضفاء دفعة معنوية تفتح الباب أمام أساليب جديدة قد تُبطئ التقدم الروسي أو تُربكه مؤقتًا.
وأضاف أن القرار لا يمكن فصله عن المناخ السياسي الداخلي، حيث يواجه زيلينسكي ضغوطًا متزايدة من الرأي العام المحلي وبعض القيادات الغربية، بسبب طول أمد الحرب وتراجع الدعم المادي والعسكري.
واعتبر بريجع أن التعيين يُشكّل أيضًا رسالة سياسية موجهة إلى الغرب، مفادها أن كييف لا تزال تبذل جهودًا لإعادة هيكلة منظومتها الدفاعية، في محاولة لتبرير استمرار الدعم الغربي.
وفي ما يتعلق بخفوت الحديث عن المفاوضات مؤخرًا، لفت بريجع إلى أن ذلك يعكس تغيرًا في أولويات الدول الغربية، التي لم تعد ترى في أوكرانيا ورقة رابحة كما كانت في بداية الحرب.
وبيّن أن بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، بدأت تميل إلى الواقعية السياسية، وتبحث عن سُبل لتقليل التصعيد وتقليص التكاليف الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها الحرب، خاصة مع صعود تيارات يمينية تطالب بإغلاق الملفات الخارجية والتركيز على الداخل.
وأشار إلى أن واشنطن، رغم استمرارها في تقديم الدعم، لم تعد تضغط باتجاه طاولة المفاوضات بالحماس نفسه الذي أبدته سابقًا، ويبدو أن أولوياتها الجيوسياسية باتت موزعة بشكل أكبر بين آسيا والشرق الأوسط، ما يُضعف من موقع أوكرانيا على قائمة أولوياتها.
ومن جانبه، قال مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إيفان يواس، إن الاهتمام العالمي الكبير بالحرب الشاملة التي تشنّها روسيا ضد أوكرانيا، إلى جانب التطلعات لتحقيق السلام بعد أكثر من 3 سنوات من القتال، يُغذي توقعات مرتفعة بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية.
وأضاف يواس، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إنهاء سريع للحرب لم تُترجم إلى واقع، رغم إصراره على عقد مفاوضات في إسطنبول، وهو ما حدث بالفعل من خلال اجتماعين.
وأشار إلى أن النتيجة العملية الوحيدة كانت التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، دون تحقيق نتائج سياسية جوهرية، إذ لم يكن لدى أوكرانيا ولا روسيا توقعات عالية من تلك المفاوضات.
وأكد المستشار أن روسيا تبدو واثقة من قدرتها على حسم الحرب، وفي الوقت نفسه ترى أوكرانيا، بعد أكثر من 3 سنوات من العمليات الشاملة، أن الهجمات اليومية والليلية التي تطال المدن الأوكرانية، بما في ذلك المباني السكنية والمستشفيات ورياض الأطفال، تؤكد أن الصراع بات حربًا وجودية.
وأشار إلى أنه، على سبيل المثال، في 17 يونيو/ حزيران 2025، أسفر قصف روسي على العاصمة كييف عن مقتل 28 شخصًا وإصابة أكثر من 140 آخرين، نتيجة انهيار مدخل مبنى مكوّن من 9 طوابق جرّاء إصابة مباشرة بصاروخ.
وشدّد يواس على أن الحرب تحوّلت بالنسبة لأوكرانيا إلى معركة بقاء، لا يمكن حسمها إلا بالمقاومة، ولهذا تواصل كييف الدفاع عن نفسها دون أن تعوّل كثيرًا على المفاوضات في هذه المرحلة.