مفوض الأونروا: الوضع الإنساني في قطاع غزة في غاية السوء
في خضم التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، والقلق المتنامي من احتمال اندلاع مواجهة إقليمية واسعة، تبدو روسيا أكثر حرصًا من أي وقت مضى على تثبيت موطئ أقدامها في سوريا، ولكن هذه المرة من منطلق "الواقعية السياسية" وليس الشرعية العقائدية.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه طهران بمواجهة الضربات الإسرائيلية، وتعيد واشنطن ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط، تتحرك موسكو بهدوء لتأمين قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، وتعزيز علاقاتها مع السلطة الجديدة في دمشق، مستندة إلى براغماتية غير مسبوقة في سياستها الخارجية تجاه سوريا.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن لدى بلاده «مصالح خاصة» في سوريا، وأن تأمين هذه المصالح يتطلب حوارًا مباشرًا مع السلطات الفعلية الموجودة حاليًا في دمشق.
وأوضح بيسكوف، أن النظام السوري السابق انهار كعملاق ذي أقدام من طين، معتبرًا أن إقامة علاقات عملية مع القيادة الجديدة في سوريا تمثل ضرورة لضمان النفوذ الروسي في الساحة السورية، لا سيما في ظل تنافس القوى الإقليمية والدولية هناك.
وفي السياق ذاته، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، على استمرار الاتصالات مع الحكومة السورية الحالية بشأن مستقبل الوجود العسكري الروسي، مشيرًا إلى أن الوضع في سوريا لم يشهد تغييرات جذرية حتى الآن، وأن موسكو تتوقع الحفاظ على مصالحها في سوريا، انطلاقًا من "المنطق والمسؤولية المتبادلة"، وعلى رأس هذه المصالح بقاء قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية.
في المقابل، لا يبدو أن القيادة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع تعارض هذا التوجه الروسي بل ترحب به، خاصة وأنه أكد في تصريح سابق أن العلاقات مع روسيا استراتيجية وطويلة الأمد، مشيرًا إلى صعوبة تفكيك هذا التحالف بالسرعة التي تطالب بها بعض الجهات.
مصالح روسيا الاستراتيجية
ويؤكد خبراء أن موسكو تعاملت بواقعية شديدة مع التحولات السياسية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، إذ فضّلت الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية - خاصة قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم - على التمسك بشرعية النظام السابق.
وأوضحوا في تصريحات لـ«إرم نيوز» أن روسيا اعتمدت نهجًا براغماتيًا في التواصل مع السلطة الجديدة، تجسد في لقاءات مباشرة بين بوتين والرئيس السوري الجديد، وفي استمرار الزيارات رفيعة المستوى رغم الخلافات العالقة بشأن قضايا مثل تسليم الأسد أو دمج عناصر إسلامية في الجيش.
وأضاف الخبراء أن موسكو تدير علاقتها مع دمشق من منطلق «دولة مقابل دولة» وليس «سلطة مقابل سلطة»، خاصة وأن الثوابت الجيوسياسية تجعل من العلاقة السورية الروسية علاقة مستقرة نسبيًا رغم تغيّر الوجوه الحاكمة.
وشدد الخبراء على أن روسيا لا ترى في سوريا حليفًا اقتصاديًا واعدًا بل شريكًا استراتيجيًا ضمن توازنات إقليمية، وأن الدعم الروسي لم يكن مجانيًا أو بدافع أيديولوجي، بل إنه محكوم بمنطق المصالح المتبادلة وصفقات المنفعة المتوازنة.
شراكة روسية سورية براغماتية
وقال رامي القليوبي، الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن العلاقات بين روسيا والسلطة الجديدة في سوريا بعد سقوط النظام في ديسمبر/ كانون الأول الماضي اتسمت بالبراغماتية، بما ينسجم مع المصالح الاستراتيجية لموسكو، لا سيما فيما يتعلق بقاعدتي طرطوس وحميميم، اللتين تلعبان دورًا محوريًا في دعم القوات الروسية، خاصة في إفريقيا.
وأكد القليوبي، في تصريح لـ«إرم نيوز»، أن هناك اتصالات منتظمة بين الجانبين، تشمل تواصلاً مباشراً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري الجديد أحمد الشرع، إلى جانب زيارات رفيعة لمسؤولين روس إلى دمشق.
وأشار إلى لقاء جرى على هامش مؤتمر في تركيا بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السوري أسعد الشيباني، كاشفًا عن تقارير تتحدث عن زيارة مرتقبة للشيباني إلى موسكو.
وأضاف الأستاذ بكلية الاستشراق بموسكو، أن العلاقات بين موسكو ودمشق تتجه نحو شراكة براغماتية، لكنها لا تخلو من تباينات واضحة، أبرزها رفض روسيا تسليم الرئيس السابق بشار الأسد، والخلاف حول نية السلطة الجديدة دمج عناصر إسلامية في الجيش السوري، وهي خطوة تثير قلق موسكو نظرًا لتصنيف بعض تلك الجماعات على قوائم الإرهاب الروسية.
وأشار رامي القليوبي إلى أن العلاقات الحالية بين البلدين تتسم بـ«الفتور الحذر»، في ظل التوازن بين المصالح والتباينات الجوهرية.
نقطة محورية
من جانبه، قال الدكتور آصف ملحم، مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات، إن فهم طبيعة العلاقة بين روسيا وسوريا يتطلب الإشارة إلى نقطة محورية، وهي أن تغيير السلطة لا يعني بالضرورة تغير شكل الدولة السياسي، لأن هذا الشكل يُبنى وفقًا لجملة من العوامل، منها التاريخ، والبنية الاجتماعية، والثروات الطبيعية، والموقع الجغرافي.
وأضاف في تصريح لـ«إرم نيوز»، أن العلاقة بين روسيا وسوريا ليست علاقة بين سلطتين بل بين دولتين فمنذ عهد حافظ الأسد وحتى اليوم حافظت هذه العلاقة على طابعها المستقر، ولم تشهد تحولات جوهرية.
وأكد مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات، أن التدخل الروسي في سوريا لم يكن لحماية النظام كما يُشاع، بل لمكافحة الإرهاب.
وتابع: «روسيا لم تعلن يومًا أنها جاءت للدفاع عن الأسد، بل رأت أن وجوده ضروري في مرحلة معينة، بهدف حماية الدولة السورية من الانهيار أمام خطر الإرهاب».
وأضاف، أن موسكو لم تتدخل في الخلافات بين سوريا وإسرائيل، ولا في النزاعات مع تركيا، وحتى الخلافات السورية الإيرانية بقيت خارج أولوياتها، وهذا يعكس رؤية روسية تتعامل مع سوريا كدولة ذات سيادة، لا كسلطة حليفة.
علاقات حالية ومصالح متبادلة
ولفت ملحم إلى أن العلاقات الحالية قائمة على المصالح المتبادلة، مؤكدًا أنه لا سوريا تستطيع الاعتماد كليًا على روسيا، ولا موسكو تستطيع فرض أجندتها على دمشق، وإذا قدمت اقتراحات فهي تأتي في إطار الحسابات الاستراتيجية لا منطق الإملاء.
وأوضح أن روسيا لا ترى في سوريا مصدرًا مغريًا للثروات، مشيرًا إلى أن الفوسفات الذي كانت لروسيا فيه استثمارات تم التخلي عنه مثل معظم الشراكات الاقتصادية الأخرى.
وتساءل: من يحتاج الآخر أكثر؟ من المؤكد أن سوريا بحاجة إلى روسيا، الدولة العظمى وعضو مجلس الأمن، ذات النفوذ الواسع، ولكن في المقابل روسيا لا تقدم دعمها مجانًا، هناك منطق الصفقات «مصلحة مقابل مصلحة».
وأشار مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات، إلى أن العلاقة بين روسيا وسوريا تُبنى على أسس دولة مع دولة، لا على أساس نظام وأشخاص.