logo
العالم
خاص

بعد حرب الأيام الـ12.. ما حظوظ استقرار النظام في إيران؟

بعد حرب الأيام الـ12.. ما حظوظ استقرار النظام في إيران؟
من الاحتفالات بوقف النار في إيرانالمصدر: أ ف ب
25 يونيو 2025، 9:45 ص

هشّمت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران الكثير من التوقعات والسرديات التي تم تداولها لسنوات عديدة، مثل سردية العواقب الكارثية لأي هجوم عسكري على إيران، وسردية القدرات العسكرية الإيرانية الصاروخية والهجينة.

وكما تهشم الحروب سرديات وأفكارا وتصورات مسبقة، فهي تثير أفكاراً ونقاشاتٍ جديدة. فلم يمضِ أسبوع على انطلاق الحرب بين إسرائيل وإيران حتى بدأ التساؤل بشكل جدي، خصوصاً في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، حول احتمالات سقوط النظام في طهران. فقد ظهرت مؤشرات عدة على انهيار بنية القيادة والسيطرة العسكرية في إيران، كما ظهر في انهيار منظومة الدفاع الجوي، وفشل إيران بتنفيذ رد عسكري صاروخي كما كان متوقعاً.

كما ظهرت تقارير عدة حول انقطاع الاتصالات المباشرة بين الحكومة الإيرانية والمرشد الأعلى علي خامنئي، مما حال دون قدرة الرئيس الإيراني على الرد على الاتصالات الأمريكية، بحسب ما كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي في 21 يونيو/ حزيران.

أخبار ذات علاقة

وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو

روبيو: إيران أصبحت "أبعد بكثير" عن امتلاك سلاح نووي

إسقاط النظام

وفي إسرائيل، ظهرت مقالات ودراسات، خصوصاً من عسكريين سابقين، تطالب بمتابعة الحرب لحين إسقاط النظام الإيراني. الجنرال الاحتياط عوزي ديان، النائب السابق لرئيس الأركان والرئيس الحالي لـ" المنتدى الوطني للقادة العسكريين" (Mivtachi)، نشر دراسة، في 20 يونيو/ حزيران، تطالب بإسقاط النظام الإيراني باعتبار ذلك الممر الحتمي للوصول إلى شرق أوسط جديد. دراسة الجنرال ديان ذكرت أن استمرار الحرب يعترضه مخاوف الولايات المتحدة تحديداً من احتمال انهيار النظام في إيران. 

لا يشرح الجنرال ديان أسباب مخاوف الولايات المتحدة من انهيار النظام الذي طالما اعتبرته خصماً داعماً للإرهاب وللأنشطة التقويضية في المنطقة. ولكن يمكن فهم تفكير الولايات المتحدة عند تذكر موقفها من النظام السوري في أيامه الأخيرة عندما برزت المخاوف حول مصير الأسلحة الاستراتيجية التي خشيت إدارة جو بايدن أن تقع في الأيادي الخطأ. المقصود كان بطبيعة الحال الصواريخ البالستية، والأسلحة الكيميائية، وقدرات تصنيعها، وموادها الأولية.

النقاش الأمريكي في تلك الساعات شمل تنفيذ عمليات للقوات الخاصة للسيطرة على بعض المواقع. إلا أن إسرائيل تدخلت عبر حملة قصف واسعة طالت مئات المواقع العسكرية ودمرت القدرات التي كانت الولايات المتحدة تخشى تسربها.

هذه المخاوف ليست جديدة في التفكير الأمريكي. فمنذ أكثر من عقد من الزمن ظهرت تسريبات حول ما سمي بـ"الخطة العملاتية 5029" (OPLAN 5029)، وهي خطة مفصلة لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة بين القوات الأمريكية والكورية الجنوبية للدخول إلى كوريا الشمالية والسيطرة على الأسلحة الاستراتيجية – خصوصاً أسلحة الدمار الشامل – في حال سقوط النظام في بيونغ يانغ.

أخبار ذات علاقة

ترامب ونتنياهو

حتى إسقاط النظام.. أصوات في إسرائيل تطالب نتنياهو بضرب إيران

عواقب السقوط

احتمال سقوط النظام في إيران لم يكن مطروحاً فيما مضى. ولكن خلال الحرب الأخيرة ظهرت أسئلة كثيرة حول عواقب هذا السقوط، مثل مصير مخزون اليورانيوم العالي التخصيب، ومصير أجهزة الطرد المركزي وخطوط إنتاجها وتصاميمها، وأرشيف الأبحاث النووية العسكرية، فضلاً عن الترسانة الصاروخية والأسلحة الكيميائية المحتملة. قد يكون غياب الاستعدادات للتعامل مع هذه المخاوف هو ما دفع الولايات المتحدة فعلاً – كما توقع الجنرال ديان – للتدخل لإيقاف الحرب. 

لقد توقفت الحرب الآن، وخرج التيار الأصولي في إيران محتفلاً بانتصاره. ولكن هل تجاوز النظام مخاطر السقوط والانهيار؟ الإجابة عن هذا السؤال، واستقراء مصير النظام وسيناريوهات انهياره أو صموده وتماسكه أو حتى انتعاشه وتعافيه، يتطلب توقع خطوات النظام المقبلة ومصير أوضاعه الاقتصادية والسياسية الداخلية، ووضع العقوبات ومصير علاقاته الخارجية.

إيران ما بعد الحرب

يرى التيار الأصولي الممسك بالغالبية الساحقة من مفاصل الحكم في طهران أنه قد خرج منتصراً في هذه الحرب. والاحتفال الذي عقد مساء 24 يونيو/ حزيران في طهران سيعقبه المزيد من الاحتفالات والخطابات التي تؤكد هذا الاعتقاد.

إلا أن هذا التيار يدرك أن إيران تعرضت لخسائر كبيرة، في قدراتها العسكرية ومنشآتها النووية، والرد سيكون، على الأرجح، عبر محاولة تعويض هذه الخسائر بأسرع ما يمكن.

ترجيحنا لرد الفعل هذا هو نتيجة المقارنة مع رد إيران على الخسائر التي تلقاها حلفاؤها خلال الحرب مع إسرائيل في 2023-2024. فقد أعلنت الحكومة الإيرانية، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أنها ستزيد إنفاقها الدفاعي بنسبة 200% في موازنة العام الجديد.

دخلت هذه الموازنة حيز التنفيذ في 21 مارس/ آذار 2025، وقد ضاعفت حصة الحرس الثوري من النفط الإيراني المصدّر (تفاوتت التقديرات حولها بين 400 و600 ألف برميل يومياً، وذلك بالمقارنة مع 100 ألف برميل في موازنة 2024). لا يوجد الكثير من الشفافية في البيانات الاقتصادية والمالية الإيرانية. إلا أن الحجم الإجمالي للموازنة العامة الإيرانية يقدر بقرابة 2,900 تريليون تومان، مع عجز يقدر بـ980 تريليوناً سيتم تمويله عبر الاقتراض الداخلي وعبر متابعة خصخصة أصول الدولة الإيرانية. وضعت هذه الموازنة مع توقع تصدير برميل النفط بـ65 دولاراً. 

التهديد الذي تعرض له التيار الأصولي هذا الشهر سيدفعه على الأرجح للمطالبة بزيادة كبيرة ومستعجلة في مخصصات الإنفاق الدفاعي. ومن المحتمل أن يدفع الأصوليون باتجاه زيادة الإنفاق إلى مستويات مشابهة لما حصل في السنوات الأخيرة من الحرب العراقية - الإيرانية. ففي العام 1988 أنفقت إيران على الدفاع ما بين 13 و18 مليار دولار (دولارات تلك الأيام)، وهذا ما كان يعادل قرابة 60% من إجمالي الإنفاق العام، أو قرابة 15% من إجمالي الناتج القومي المحلي. 

عوامل الانهيار

ولكن لماذا ننظر للإنفاق الدفاعي وعجز الموازنة الإيرانية على أنها من العوامل المحددة لاستقرار النظام الإيراني؟ لقد اعتمدت التحليلات التي تشكك في احتمالات سقوط النظام الإيراني على أن النظام قد صمد في مواجهة كل الأزمات السابقة، خلال العقود الأربعة الماضية، بسبب استمرار الولاء العقائدي للفقراء، والتحالف مع الطبقة الوسطى وطبقة رجال الأعمال.

الطبقة الوسطى – من المثقفين والجامعيين وكبار الموظفين الحكوميين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة – بدأت بالاضمحلال بشكل متسارع مع عودة العقوبات الأمريكية في خريف 2018، التي أثرت بشكل كبير على أوضاعها المعيشية وتزامنت مع تقييد الأنشطة الاجتماعية والسياسية لهذه الطبقة.

والحركات الاحتجاجية المستمرة، وإن بشكل متفرق، منذ سبتمبر/ أيلول 2022، ضد إلزامية ارتداء الحجاب، هي في الحقيقة أحد أوجه احتجاج الطبقة المتوسطة في إيران التي تعبّر عن تذمرها مما وصلت إليه الأوضاع في البلاد.

الطبقة الوسطى تحتج على عدم التزام النظام بالعقد الاجتماعي المتفاهم عليه ضمناً والذي تضحي بموجبه الطبقة الوسطى بحرياتها مقابل الاستقرار الأمني والاقتصادي ومستوى مقبول من حرية التعبير. 

تحالف رجال الأعمال والنظام – ما يعرف في الأدبيات الإيرانية بتحالف البازار والعمامة – بدأ بالتفكك بدوره منذ العام 2018. فالنظام لم يحقق الرفاه الاقتصادي الموعود، والاقتصاد الإيراني بات مخنوقاً بثنائية العقوبات الخارجية وتربح المسؤولين من الإجراءات التي تلتف على العقوبات.

سقوط حر للعملة

العملة الإيرانية في سقوط حر منذ 2018. فقد انخفضت من 4,200 تومان للدولار الواحد في أبريل/ نيسان 2018 إلى 600,000 تومان للدولار في أبريل/ نيسان 2024 ثم مليون تومان في أبريل/ نيسان 2025.

وخلال الحرب الحالية هبطت إلى 1.1 مليون تومان للدولار. ومنذ 2018، وكبار رجال الأعمال الإيرانيين ينقلون ثرواتهم تدريجياً إلى بعض دول الجوار، خصوصاً تركيا التي احتل فيها الإيرانيون المرتبة الأولى بين الأجانب في شراء العقارات التركية.

عامل التذمر الرئيس لرجال الأعمال يتعلق أيضاً بالتهميش الذي يتعرضون له من قبل الفعاليات الاقتصادية المحسوبة على الحرس الثوري التي تحظى بحصة الأسد من الأنشطة الاقتصادية، خصوصاً عمليات خصخصة أصول الدولة الإيرانية (مثل مصافي النفط)، واحتكار استيراد وتصدير العديد من المواد الحيوية للاقتصاد الإيراني.

زيادة الإنفاق الدفاعي المتوقعة لا تعني المزيد من الضغوط الضريبية على رجال البازار فحسب، بل تعني أيضاً المزيد من الخصخصة التي ستذهب لجيوب غيرهم، والمزيد من التقشف في الإنفاق العام الذي سيؤثر سلباً على عجلة الاقتصاد الإيراني. تجربة الحرب الأخيرة التي أدت لإغلاق بازار طهران الكبير – بسبب المخاوف الأمنية – هي تجربة غير مسبوقة، ولم تحصل حتى خلال الحرب العراقية-الإيرانية. 

أخبار ذات علاقة

مقاتلة إسرائيلية قبل ضرب إيران في الهجوم الأخير

بعد 10 أيام من المواجهة.. ما الذي تكشفه الأرقام عن خسائر إيران وإسرائيل؟

احتجاجات الفقراء

عامل الاستقرار الأخير للنظام الإيراني هو ولاء الطبقة الفقيرة. وهذه الطبقة تشكل حالياً القسم الأكبر من جمهور التيار الأصولي – وهي تشكل حوالي 30% إلى 40% من الإيرانيين اليوم. 

نقدر هذه النسبة في ضوء النتائج التي حصل عليها المرشحون الأصوليون في جولات الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2017 و2021 و2024). وقد حرص النظام الإيراني – بقدر المستطاع – على الحفاظ على ولاء هذه الطبقة، وذلك خصوصاً عبر الحفاظ على المزايا القليلة الممنوحة لهم من مجانية التعليم والرعاية الصحية والنظام التقاعدي ودعم الغذاء والوقود.

إلا أن هذه الطبقة لم تسكت في كل مرة حاول فيها النظام المساس بهذه المزايا. المثال الأبرز هو احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 على رفع أسعار المشتقات النفطية بما بين 50% و300% (بسحب شريحة الاستهلاك). قتل في تلك المظاهرات ما بين 400 و1,000 متظاهر وتطلب ضبط الأوضاع قمعاً غير مسبوق من جانب الحرس الثوري والباسيج والأجهزة الأمنية المختلفة.

تلك الأزمة أجبرت الحكومة الإيرانية طوال الأعوام الستة الماضية على إبقاء أسعار المحروقات على مستوياتها بالعملة المحلية رغم انهيار قيمة هذه العملة. ولهذا يصنف الوقود في إيران اليوم بأنه الأرخص في العام (أقل من 3 سنتات لـ اللتر الواحد من البنزين حالياً).

عوائد مهدورة

دعم المشتقات النفطية يكبد الموازنة الإيرانية أعباء باهظة وذلك ليست نتيجة العوائد المهدورة فحسب، بل لأن إيران – ولأسباب معقدة – من أكبر مستوردي البنزين في العالم. وبلغت فاتورة هذا الاستيراد في 2024 أكثر من مليار دولار شهرياً. 

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تحدث مرات عدة، منذ توليه منصبه في يوليو/ تموز 2024، عن ضرورة رفع أسعار المشتقات النفطية لإيقاف النزيف الهائل للموازنة الإيرانية. فحوالي 27% من الموازنة العام الإيرانية تذهب لدعم الطاقة. موقف بزشكيان هذا كان قبل هذه الحرب، وقبل أن تتبنى إيران قرار زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 200%.

ستواجه إيران في الأشهر المقبلة تحديات اقتصادية كبيرة، وسيجد النظام الإيراني نفسه بين خيارات صعبة. فإما أن يختار بين خصخصة غير مسبوقة، أو اقتراض غير مسبوق، أو رفع غير مسبوق لأسعار المشتقات النفطية، لتقليص العجز في الموازنة وتغطية الزيادة في الإنفاق الدفاعي، أو أن عليه أن يرضخ لإدارة ترامب لكي يخرج من نير العقوبات.

وبما عرفناه عن طريقة تفكير النظام الإيراني، فمن المرجح أنه سيختار الأزمة والذهاب إلى حافة الهاوية على أن يتنازل للولايات المتحدة. مصير النظام في طهران سيكون النظام هو من يكتبه. 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC