تثير قضية قافلة اليورانيوم في النيجر منذ أواخر نوفمبر جدلاً دولياً واسعاً، بعد تحرك عشرات الشاحنات لنقل أكثر من ألف طن من "الكعكة الصفراء" من منجم سوماير في شمال البلاد إلى العاصمة نيامي، وسط غموض حول الوجهة النهائية والمشتري المحتمل.
ويعكس هذا النزاع بين المجلس العسكري الحاكم وشركة أورانو الفرنسية أبعاداً قانونية وسياسية واقتصادية معقدة.
تعود جذور الأزمة إلى تأميم الحكومة النيجيرية لمنجم سوماير في يونيو 2024، وهو الموقع الذي كانت تديره شركة أورانو الفرنسية بنسبة 63.4%، بينما تمتلك النيجر 36.6%.
بعد الانقلاب الذي أتى بالجنرال عبد الرحمن تياني إلى السلطة في يوليو 2023، أُغلقت الحدود البرية مع بنين، مما أوقف الطريق التقليدي لتصدير اليورانيوم عبر ميناء كوتونو، وحاولت أورانو إيجاد حلول بديلة، إلا أن السلطات المحلية رفضت النقل الجوي لمخزون المنجم.
تفاقمت النزاعات بسبب مشاكل التشغيل في مواقع أخرى لشركة أورانو، مثل منجمي إيمورارين وكوميناك، ما أدى إلى فقدان السيطرة التدريجي على الإنتاج.
ولضمان حقوقها، رفعت أورانو أربع دعاوى قضائية ضد النيجر، شملت كل موقع تعدين والاتفاقية الشاملة بين الطرفين.
على الصعيد القانوني، أصدر المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) في سبتمبر 2025 أمراً للنيجر بعدم نقل أو بيع اليورانيوم المخزون، إلا أن السلطات النيجيرية فضّلت تجاوز القنوات القانونية، وبدأت في نهاية نوفمبر نقل المخزون إلى العاصمة، مؤكدة أن البلاد لها الحق الكامل في تسويق مواردها الطبيعية دولياً، في ظل ضغوط مالية متزايدة نتيجة إغلاق الحدود مع بنين وهجمات ميليشيات على خطوط النفط.
بينما لا يزال المشتري النهائي مجهولاً، تركزت الشكوك على كل من إيران والصين وروسيا، حيث تربط النيجر علاقات دبلوماسية وتجارية مع هذه الدول.
في 21 نوفمبر، تم رصد طائرة شحن روسية من طراز إليوشن Il-76 في مطار أغاديز، في وقت وصلت فيه الشاحنات إلى المنجم وحملت 1050 طنًا من الكعكة الصفراء في حاويات مشفرة بعلامات تحذير إشعاعية.
توجهت القافلة إلى العاصمة نيامي، حيث تم رصدها في القاعدة العسكرية 101 في 7 ديسمبر، وسط تكهنات بأن اليورانيوم قد يُشحن لاحقاً بحراً عبر ميناء في توغو، مع مشاركة محتملة لأسطول روسي غير رسمي.
ويشير اتفاق مذكرة التفاهم بين روساتوم ووزارة الطاقة النيجيرية إلى احتمال شراء موسكو للكعكة الصفراء مقابل نحو 180 مليون دولار، رغم عدم تأكيد النيجر لهذه الصفقة رسمياً.
من ناحية الاستخدام، الكعكة الصفراء لا تصلح مباشرة للطاقة النووية أو الأسلحة، إذ تتطلب تحويلها وتخصيبها قبل الاستعمال، وهو ما يجعل إمكانية الاستخدام العسكري على المدى القريب محدودة.
تحذر شركة أورانو من أن بيع المخزون يعد "غير قانوني" وينتهك قرار التحكيم الدولي، مؤكدة احتفاظها بحقها في متابعة الإجراءات القانونية، ما قد يفضي إلى فرض تعويضات مالية على النيجر.
من جانبها، تعتبر السلطة العسكرية أن الشركة الفرنسية أخفقت في التزاماتها المالية والاجتماعية والبيئية، وتؤكد أن لها الحق في طرح الكعكة الصفراء في السوق، خاصة بعد مزاعم حول جرائم بيئية واكتشاف براميل مواد مشعة في مواقع منجمية.
يعكس الحدث أيضاً المخاطر الاقتصادية والسياسية الأوسع؛ إذ يثير النفور لدى المستثمرين الأجانب ويزيد من صعوبة جذب استثمارات جديدة، بينما تواجه البلاد تحديات مالية خانقة بسبب صعوبات التصدير وانقطاع الموارد.
كما أن التحرك يعكس رغبة النيجر في تنويع شركائها الاستراتيجيين بعيداً عن فرنسا، وتعزيز التعاون مع دول مثل روسيا والصين وإيران.
تظل قضية قافلة اليورانيوم في النيجر اختباراً حقيقياً للتوازن بين السيادة الوطنية، الالتزامات القانونية الدولية، والمصالح الاقتصادية العالمية.
وبينما تواصل الشاحنات انتظار الخطوة التالية، يترقب العالم تداعيات هذا النزاع على الأمن النووي والتجارة الدولية، وعلى قدرة النيجر على الحفاظ على مصالحها دون مواجهة تداعيات مالية وقانونية جسيمة.