يعد تغيير نظام الاقتراع في باريس قبيل انتخابات بلدية 2026 لحظة حاسمة في السياسة المحلية الفرنسية، ويعيد رسم قواعد اللعبة بشكل قد يقلب موازين القوى لصالح اليمين بقيادة رشيدة داتي.
ففي وقت تبدو فيه وزيرة الثقافة في موقع متقدم بدعم رئاسي وتشريعي غير مسبوق، تتخبط قوى اليسار في صراعات داخلية بين الاشتراكيين والخضر، وسط ضغوط متزايدة للتوحد منذ الجولة الأولى.
كما أن التحالف بات ضرورة لا خياراً، لكن الخلافات حول القيادة، والهوية السياسية، وحدود التحالفات لا تزال تهدد بانفجار انتخابي قد يعيد تشكيل المشهد الباريسي بأكمله.
وفيما يشهد معسكر اليسار صراعات داخلية حادة بين الاشتراكيين والخضر، يبدو أنه لا مفر من التوصل إلى اتفاق فيما بينهم إذا ما أرادوا الحفاظ على مبنى بلدية باريس في مواجهة يمين عازم على الفوز.
وقالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إن رشيدة داتي، وزيرة الثقافة ورئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس، خاضت لسنوات معركة ضد خصوصية النظام الانتخابي الباريسي في الانتخابات البلدية.
وأوضحت الصحيفة أن المرشحة السابقة لانتخابات 2020 كانت مقتنعة بأنها كانت ستفوز لو كان التصويت يتم في باريس على غرار بقية المدن الفرنسية.
وأشارت إلى أن داتي قد وعدت نفسها ببذل كل جهد ممكن لتغيير هذا النظام المعقد وانتزاع رئاسة البلدية من اليسار في عام 2026، موضحة أنها الآن قد قطعت نصف الطريق.
وذكرت أن البرلمان قد أقر صباح الخميس مشروع قانون "PLM" (باريس-ليون-مرسيليا) الذي يُلغي النظام الانتخابي الخاص المعمول به منذ عام 1982 في أكبر ثلاث مدن فرنسية.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإنه بذلك، إذا صادق المجلس الدستوري على النص – سيصبح التصويت على مستوى المدينة كلها وليس على مستوى كل دائرة كما كان الحال سابقاً. وهو تغيير قد يصب في مصلحة رشيدة داتي، التي تتمتع بحضور قوي وقد بدأت بالفعل حملتها الانتخابية.
وفي سياق برلماني مزدحم ومفتقر للتوافقات، نجحت داتي، بدعم من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، في تمرير النص.
بل يقال إن انضمامها إلى حكومة غابرييل أتال في يناير 2024 كان مشروطاً بهذا التغيير.
غضب يساري واتهامات بـ"التلاعب الانتخابي"
في المقابل، ساد الغضب أوساط اليسار الباريسي. يقول أحد كبار المسؤولين السياسيين: "هذا أمر خطير للغاية! القانون هو نتاج انتهازية انتخابية صريحة دبرها النائب الباريسي سيلفان مايو، لصالح رشيدة داتي، وبدعم من الرئيس ماكرون وضمانة من فرانسوا بايرو، المفترض أنه يقود سياسة الأمة".
أما المرشح الشيوعي إيان بروسا، فاعتبر أن النظام الجديد "فصل على مقاس داتي"، مطالبًا شركاءه الاشتراكيين والخضر بالتوحد من الجولة الأولى، واصفًا ذلك بأنه "ضرورة ملحّة الآن".
وفي حين يظهر المرشح الاشتراكي إيمانويل غريغوار ثباتًا وهدوءًا، فإن أحد مساعديه اعترف بأنهم "في ورطة صغيرة". وأضاف: "لقد بنينا استراتيجيتنا على أساس أن القانون لن يُمرر".
ومن المقرر أن يعقد غريغوار مساء الأحد لقاء مع جميع مؤيديه، ومن المؤكد أن النظام الانتخابي الجديد سيكون على رأس جدول الأعمال.
ولم ينتظر غريغوار تصويت البرلمان لبدء المشاورات. فقد التقى الأربعاء مرشحي الخضر والشيوعيين وحزب "بلاس بوبليك"، ووفق بيان رسمي فإن اللقاءات "شكّلت خطوة أولى نحو وضع منهج مشترك يمهد لتوحيد الصفوف من الجولة الأولى".
لكن العقبة الكبرى تبقى إقناع الخضر، الذين اعتادوا منذ 2001 الترشح بشكل مستقل في الجولة الأولى ثم الالتحاق بالتحالف في الجولة الثانية.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن أحد المسؤولين الفرنسيين قوله: "هناك حاجة لدى الخضر لإثبات هويتهم السياسية، خصوصًا في مواجهة الاشتراكيين".
وقد بدأت التوترات بالظهور هذا الأسبوع. فقد استاء المرشح الأخضر دافيد بيليار من مقابلة إذاعية أجراها غريغوار على "فرانس إنتر"، أعطى فيها الانطباع بأنه قائد المشاورات اليسارية.
ويقول أحد مستشاري بيليار: "حتى إن لم يتم الاتفاق، ليس الأمر مأساويًا. نعتقد أننا قادرون على الفوز بمفردنا. الاشتراكيون لن يحصلوا على 30% كما فعلوا مع هيدالجو".
وبالإضافة إلى التنافس على القيادة، هناك خلافات حول نطاق التحالف. فالخضر يدعون إلى فتح حوار مع "فرنسا الأبية"، حزب جان-لوك ميلنشون، بينما يرفض الاشتراكيون ذلك تمامًا، "لا في الجولة الأولى ولا الثانية".
يعلق أحد مسؤولي الخضر قائلًا: "إنهم يكذبون! لا يمكن لليسار الاحتفاظ بباريس دون أصوات فرنسا الأبية"، مضيفًا انتقادًا حادًا لإيمانويل غريغوار.
كل هذه الخلافات تطرح التساؤل: كيف يمكن لهذا الفريق المنقسم على نفسه أن يتفق في نهاية المطاف؟ ويرد إيان بروسّا بفلسفة: "هذا طبيعي، قبل الوحدة دائمًا هناك بعض الانقسام".