تعيش التحالفات الأمنية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل منذ سنوات تحت امتحان النجاعة، بعد إعادة تنظيم صفوفها ضمن تكتلات اتجهت إلى شركاء دوليين جدد لمكافحة التطرف، ومع ذلك لم تتوقف الهجمات بل تفاقمت وتمدّدت إلى خليج غينيا.
وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن، رسّخت منطقة الساحل الأفريقية مكانتها كواحدة من بؤر الإرهاب في العالم، حيث قامت الجماعات المسلحة والمتمردون، مستغلين سهولة التنقل عبر الحدود، وتفكك الدولة، وضعف قوات الأمن المحلية، بتوسيع سيطرتهم تدريجياً من وسط مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى الحدود الشمالية لبنين.
وعلى الرغم من تعدد الاستجابات الإقليمية والدولية، من التدخل العسكري الفرنسي إلى تعاون مجموعة دول الساحل الخمس وبعثات الأمم المتحدة، فإنها أخفقت في احتواء التهديد على المدى الطويل.
وفي إطار إعادة التشكيل الجيوسياسي، تم إنشاء كونفدرالية الساحل التي تضم بوركينا فاسو ومالي والنيجر في سبتمبر/ أيلول 2023، عقب الانقلابات العسكرية. وقد نشأ هذا التحالف من رغبة معلنة في قطع الصلة بالنفوذ الغربي، مقدماً نفسه كبديل سياسي وعسكري وأيديولوجي ورمزي للنظام الأمني الإقليمي الذي يمر بأزمة. غير أن تشكيله أثار تساؤلات حول قدرته الحقيقية على التغلب على التحديات الهيكلية، ومدى تمكنه من إعادة تعريف معايير السيادة في مكافحة التطرف.
ولم تكن ولادة الكونفدرالية في سبتمبر/ أيلول 2023 منفصلة عن التسلسل السياسي غير المسبوق الذي شهدته، خلال ثلاث سنوات، ثلاث دول هي مالي (2020، 2021)، وبوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023)، حيث شهدت تغييرات في الأنظمة عبر انقلابات عسكرية.
وتنخرط إحدى هذه الدول في تكتل إقليمي آخر لكنها انسحبت منه قبل أشهر، وهي النيجر التي أعلنت انسحابها من القوة المتعددة الجنسيات التي تأسست عام 2015 لمكافحة الجماعات المتطرفة في منطقة حوض بحيرة تشاد، والتي تضم إلى جانب النيجر كلاً من نيجيريا وتشاد والكاميرون.
ويرتبط هذا القرار بالتغييرات الجذرية في الوضع الداخلي للنيجر بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 2023 وأطاح بالحكومة السابقة؛ ما أدى إلى تصاعد التوترات السياسية داخلياً ومع القوى الدولية التقليدية، رغم أن النيجر شاركت بفاعلية في جهود مكافحة متشددين مثل “بوكو حرام” وتنظيم الدولة خلال السنوات الماضية.
وتشير الباحثة الأفريقية في جامعة دكار، ديلينا نروكا، إلى أن هذا التوجه العام لدول الساحل الأوسط ترافق مع تشكيك في فعالية الآليات الإقليمية والدولية القائمة؛ إذ شهدت عملية "برخان" التي استمرت بين عامي 2014 و2022 فشلاً ذريعاً، أسفر عن انسحاب عسكري فرنسي، ولاحقاً التفكك التدريجي لمجموعة دول الساحل الخمس عام 2023، والذي بدأ بانسحاب مالي في مايو/ أيار 2022. كما ساهمت التوترات المتزايدة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، التي باتت شرعيتها موضع شك من قبل الأنظمة الانتقالية، في خلق شعور بالعزلة الاستراتيجية.
وأكدت نروكا لـ“إرم نيوز” أن مساعي السلطات لسد فجوة الفراغ الأمني الغربي عبر شراكات بديلة اصطدمت بتشكيك مماثل، لا سيما مع روسيا عبر مجموعة فاغنر وتركيا، مشيرة إلى أن المجالس العسكرية الحاكمة في باماكو ونيامي وواغادوغو اختارت التضامن العسكري والتحرر من الفضاء الإقليمي لغرب أفريقيا الذي تعتبره معادياً، خاصة في يوليو/ تموز 2023 حين لوّحت “إيكواس” بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه.
ورغم الوعود المتكررة التي قطعتها المجالس الحاكمة، لم تتجسد النتائج على الأرض، بل تزايدت الهجمات المتشددة مستهدفة المدنيين والقوات المسلحة على حد سواء.
ووفقاً لتقرير حديث صادر عن "مشروع التهديدات الحرجة"، تمثل منطقة الساحل حالياً ما يقرب من 40% من الهجمات المتطرفة المسجلة في القارة الأفريقية خلال عام 2025، مع استمرار ارتفاع الخسائر البشرية.
ومنذ بداية العام وحتى ديسمبر/ كانون الأول، كثفت الجماعات المسلحة التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش عملياتها، مستخدمة التفجيرات والكمائن والاغتيالات المستهدفة، في مسعى للحفاظ على مناخ دائم من الخوف.
ففي النيجر، أصبحت منطقة تيلابيري، القريبة من الحدود المالية، شبه مستحيلة الوصول، مع توالي الهجمات على قوافل المساعدات الإنسانية والمعسكرات العسكرية بلا هوادة.
أما في مالي، فلا تزال الجماعات المتشددة، وعلى غرار جماعة نصرة الإسلام، تسيطر على مساحات شاسعة، لا سيما في وسط وشمالي البلاد. وفي بوركينا فاسو، التي تشهد أزمة أمنية خطيرة منذ سنوات، تتعرض مقاطعاتها الشرقية لهجمات شبه يومية؛ ما يتسبب في نزوح جماعي للسكان.
ويرى بعض الخبراء أن هذه الأزمة الأمنية ليست سوى عرض لفشل سياسي أوسع، يجمع بين غياب الحوكمة وتهميش السكان والأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من التنسيق المعلن داخل قوات الساحل الخاصة، فإن الاستجابات العسكرية لا تزال مجزأة وغير كافية.