أسفرت الجولة الأولى من مؤتمر الحزب الاشتراكي في فرنسا، أمس الثلاثاء، عن إقصاء رئيس الكتلة الاشتراكية في الجمعية الوطنية بوريس فالود، فيما تأهل الأمين العام المنتهية ولايته أوليفييه فور، ورئيس بلدية روان نيكولا ماير-روسيينيول، إلى جولة ثانية حاسمة، ستُحدد مَن سيقود الحزب نحو معركة الرئاسة لعام 2027.
وخلف هذه الأرقام معركة تيارات، طموحات متضاربة، وتحالفات قد تُعيد تشكيل ملامح اليسار برمته في مواجهة اليمين المتطرف، والضبابية لأنصار المعسكر الرئاسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (النهضة) .
وبحسب نتائج غير نهائية صدرت عن محيط المرشحين، حصل فور على نحو 42% من الأصوات، مقابل قرابة 40% لماير-روسيينيول، أما فالود فقد حل ثالثًا بنسبة تراوحت بين 18% و20%، ما جعله خارج السباق قبل الجولة الثانية المقررة في 5 يونيو/حزيران المقبل.
وبلغت نسبة المشاركة قرابة 23 ألف مصوّت من أصل 40 ألف عضو يحق لهم الاقتراع.
ويرى المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون اليسار، فرانك بوايي، أن "مواجهة فور وماير-روسيينيول ليست مجرد منافسة على قيادة الحزب، بل تعكس رؤيتين متضادتين حول تموضع الاشتراكيين في مشهد سياسي يعاد تركيبه بعد الانتخابات الأوروبية".
وأضاف بوايي، لـ"إرم نيوز"، أن "فور يراهن على وحدة اليسار بتياراته المختلفة، بينما يطرح ماير-روسيينيول تصورًا نقيًا لهوية اشتراكية مستقلة تمامًا عن الهيمنة الميليشو-نية".
يسعى أوليفييه فور، الذي يتولى قيادة الحزب منذ عام 2018، لتجديد رئاسته على قاعدة "التجميع دون الذوبان"، أي بناء تحالف واسع يضم تيارات من غلوكسمان إلى فرانسوا روفان، من دون الرضوخ لهيمنة فرنسا الأبيّة وزعيمها جان لوك ميلانشون، رغم مشاركته سابقًا في اتفاقية "نوبس" لعام 2022 و"الجبهة الشعبية الجديدة" عام 2024.
ويقول فور في تصريح لصحيفة "لوموند" الفرنسية: "لن نسامح أنفسنا إذا مهدنا الطريق لليمين المتطرف عبر انقساماتنا.. وحدة اليسار ليست خيارًا، بل مسؤولية".
من جانبه، يحمل معسكر ماير-روسيينيول لفور مسؤولية التبعية الضمنية لميلانشون، معتبرًا أن موقفه يتسم بـ"الازدواجية" و"الإدارة العشائرية" داخل الحزب.
يقترح ماير-روسيينيول، الذي يرفع شعار "التوكيد الاشتراكي"، إنشاء حزب اشتراكي كبير أو "GPS"، يجمع بين المنتمين حاليًا للحزب وتيارات قريبة منه، من أمثال رافاييل غلوكسمان، ووزير التربية السابق بنوا هامون، ورئيس الوزراء السابق برنار كازنوف.
من جانبها، قالت المحللة السياسية إيزابيل بورتوليتي، لـ"إرم نيوز"، إن "ماير-روسيينيول يريد إعادة توحيد الاشتراكية حول مشروع ديمقراطي اجتماعي بديل لماكرون ولميلانشون على السواء، لكن نجاحه يتطلب تحالفات شخصية معقدة قد لا تتماسك عند أول اختبار انتخابي".
ورغم خسارته، فإن بوريس فالود لا يزال في موقع مفصلي، إذ يُوصف بأنه المرشح "الفكري" للحزب، وهو من طرح مفاهيم مثل "تفكيك منطق السوق"، وأسّس معهدًا للتكوين الإعلامي الحزبي.
وبحسب المحيطين بفالود، فإنه "لا توجد أغلبية في الجولة الثانية دون فالود".
ويرجح مراقبون أن يدخل فالود في مفاوضات مع أحد المرشحين لدعمه مقابل ضمانات على هيكلة الحزب أو خطوطه الفكرية.
اللافت أن خلفيات هذا المؤتمر تتجاوز المسألة التنظيمية، إذ ترتبط مباشرة بتحضيرات اليسار للانتخابات الرئاسية عام 2027.
ويحذر داعمو فور من أن فوز ماير-روسيينيول قد يفتح الباب أمام عودة الرئيس الثاني الاشتراكي لفرنسا سابقًا، فرانسوا هولاند، كمرشح توافقي.
فيما تراقب شخصيات من خارج الحزب، مثل رئيسة الخضر مارين تونديلييه والنائب فرانسوا روفان، هذا المؤتمر بعناية، معربين عن تأييدهم لفور.
في المقابل، يميل غلوكسمان إلى دعم ماير-روسيينيول، خاصة بعد رفضه العلني لفكرة إجراء انتخابات تمهيدية.
فهل سيعيد الحزب الاشتراكي تشكيل نفسه كقوة سياسية رئيسية، أم سيبقى رهينة انقساماته وتأرجحه بين أقصى اليسار والتقنيات التحالفية؟
الإجابة قد تبدأ بالتبلور في 5 يونيو/حزيران المقبل، لكن معالمها الحقيقية ستتضح في ربيع العام 2027، مع من سيتقدّم بترشيحه رسميًا لرئاسة فرنسا باسم "اليسار العقلاني".