رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
تتعرض حكومة فيكتور أوربان في المجر لأزمة سياسية حادة بعد تفجر فضائح متلاحقة في مؤسسات حماية الطفولة، في وقت يروج فيه رئيس الوزراء المجري لنفسه كحامٍ للقيم المحافظة والأسرة التقليدية.
الفضائح التي كشفت عن انتهاكات جسيمة بحق الأطفال في مراكز الرعاية الحكومية، أشعلت موجة غضب شعبي غير مسبوقة، ودفعت عشرات الآلاف للتظاهر في العاصمة بودابست مطالبين باستقالة الحكومة، قبل أشهر قليلة من انتخابات برلمانية حاسمة قد تنهي حقبة أوربان التي امتدت خمسة عشر عاماً.
واندلعت أحدث موجات الاحتجاجات منتصف شهر كانون أول/ ديسمبر 2025، بعد نشر مقطع فيديو صادم يُظهر مدير مركز تأهيل مغلق في بودابست وهو يعتدي بوحشية على أحد النزلاء القُصّر، حيث ضرب رأسه بطاولة بشكل متكرر.
وخرج عشرات الآلاف من المجريين إلى الشوارع استجابة لدعوة المعارضة، في تظاهرة ضخمة قادها بيتر ماغيار، زعيم حزب تيزا المعارض، الذي وجه اتهامات مباشرة للحكومة بالتقصير والتستر.
وقال ماغيار أمام الحشود: "الحكومة تتحدث باستمرار عن حماية الأطفال، لكنها سمحت بحدوث ما جرى في هذا المركز المغلق". هذه التصريحات تأتي في وقت حساس، حيث تلوح في الأفق انتخابات برلمانية في نيسان/ أبريل 2026 يُتوقع أن تكون الأكثر تنافسية منذ وصول أوربان للسلطة.
لم تكن هذه الحادثة معزولةً، بل حلقة في سلسلة طويلة من الفضائح التي تعصف بمؤسسات حماية الطفولة في المجر. ففي الربيع الماضي، اعتُقل المدير السابق لذات المركز في قضية أشد خطورة، حيث تحقق معه النيابة العامة بتهم الاتجار بالبشر والقوادة وغسيل الأموال، إذ يُشتبه في تورطه بتسهيل استغلال فتيات قاصرات جنسياً من نزيلات مؤسسات الرعاية.
والأخطر من ذلك، أن زملاء المدير السابق أكدوا لوسائل الإعلام المجرية أنه كان موضع شكوك منذ سنوات بشأن علاقات جنسية مع فتيات قاصرات في دور الرعاية، لكن إدارته العليا كانت تحميه باستمرار.
هذه القرابة من السلطة أججت موجة من الشائعات المدمرة لحزب فيدس القومي الحاكم، في تذكير بفضيحة إبستين في الولايات المتحدة من حيث تشعبها وصعوبة السيطرة عليها.
نشر بيتر ماغيار، الذي كان مسؤولاً حكومياً كبيراً قبل انشقاقه عن فيدس مطلع 2024 بعد اتهامه الحكومة بالفساد المستشري، تقريراً داخلياً مروعاً حول حالة خدمات حماية الطفولة في المجر.
التقرير، الذي أخفته السلطات عن العامة، استند إلى استطلاع بين العاملين في مجال الوصاية على القُصّر، وكشف أن 38% من الأوصياء المكلفين بحماية الطفولة على علم بطفل واحد على الأقل تعرض لاعتداءات جنسية أثناء رعايته.
كما اشتكى هؤلاء المهنيون من عدم فعالية الشرطة المجرية في التحقيق بالمزاعم التي يقدمها الأطفال الموجودون في المؤسسات. هذا الوضع يعكس أزمة عميقة في نظام مؤسسات الدولة التي عانت من تقليص مستمر في الإنفاق الاجتماعي على مدى السنوات الماضية.
يبرز التناقض الصارخ بين خطاب أوربان وواقع مؤسساته. فبينما يدّعي رئيس الوزراء المجري بانتظام رغبته في "حماية الأطفال من دعاية المثليين" عبر حظر توفير محتوى يمثل المثلية الجنسية للقُصّر، تتكشف فضائح الاعتداءات الجنسية والجسدية في مؤسسات حماية الطفولة التي يُفترض أنها تحت إشراف حكومته.
حتى رد الحكومة الأولي على الفضيحة كان ملتبساً ومثيراً للجدل. فقد بدأ المتحدث الحكومي غيرغيلي غولياش بالتأكيد أن المركز يضم "27 شخصاً محكوماً بالسرقة" و"أربعة بتهم اعتداء جنسي"، ما أوحى بأن عنف المربين قد يكون مبرراً.
لكن ماغيار رد بحزم: "حتى لو كان طفل محكوماً عليه، فهذا لا يعني أنه يمكنك ضربه على الأرض، أو الدوس على رأسه، أو ضربه بعصا".
هذه ليست المرة الأولى التي تهتز فيها حكومة أوربان بفضائح تتعلق بحماية الطفولة. ففي بداية العام 2024، اضطرت الرئيسة السابقة كاتالين نوفاك ووزيرة العدل السابقة يوديت فارغا، وكلتاهما من المقربين من أوربان، للاستقالة بعد أن طالبتا بالعفو عن مسؤول سابق في دار أيتام حُكم عليه بالضغط على أطفال ضحايا اعتداءات جنسية لسحب شكاواهم. والشخص الذي نال العفو كان معروفاً بقربه من حزب فيدس، وهو أمر غير مستغرب في بلد تُمنح فيه معظم المناصب القيادية في القطاع العام بناءً على الولاء للحزب الحاكم.
تحت ضغط الفضيحة المتصاعدة، صحح أوربان أخيراً تصريحات متحدثه الحكومي، مؤكداً أنه رغم كون المركز المغلق "نوعاً من السجن، لا يمكن معاملة جانح شاب بهذه الطريقة، فهذا غير مقبول". كما أمرت الحكومة بنشر الشرطة في المراكز التأهيلية المغلقة الخمسة في البلاد لتولي السيطرة عليها بدلاً من خدمات حماية الطفولة، في خطوة تعكس حجم الأزمة وفقدان الثقة في المؤسسات القائمة.
تأتي هذه الفضائح في أسوأ توقيت ممكن لأوربان، الذي بات يواجه معارضة منظمة وقادرة على الحشد بقيادة ماغيار، مع اقتراب موعد انتخابات يُنتظر أن تكون شديدة التنافسية.
إن انهيار "النموذج المجري" المحافظ الذي طالما روج له أوربان كبديل للديمقراطية الليبرالية في أوروبا، قد يكون له تداعيات تتجاوز الحدود المجرية لتؤثر على مصداقية تيارات اليمين المتطرف في القارة بأسرها.