الجيش الإسرائيلي: استعدنا خلال "عربات جدعون" 10 جثامين لإسرائيليين كانوا محتجزين في غزة
كشفت تقارير صحفية عن تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية على قائد قوات بورتسودان عبد الفتاح البرهان، من أجل وقف الحرب واستئناف الحوار والعودة إلى الحكم المدني، ما يهدد بقاءه في صدارة المشهد.
وتدخل الحرب في السودان عامها الثالث، مخلفة عشرات الآلاف من القتلى، ودمار البنية التحتية الحيوية، كما تسببت بنزوح أكثر من 12 مليون شخص عن ديارهم.
وشهد الأسبوع الماضي، سلسلة من التطورات التي تكشف تزايد الضغوط على البرهان ومجلس السيادة الذي يترأسه داخليا ودوليا لدفعه نحو العودة للحكم المدني ووقف الحرب.
عزلة متنامية
قالت مصادر سودانية إن حكومة بورتسودان تواجه عزلة دبلوماسية متنامية، على الرغم من احتفاظها باعتراف شكلي من الأمم المتحدة بصفتها سلطة حاكمة بحكم الأمر الواقع، إلا أن الاعتراف هذا لا يحظى بتأييد القوى الدولية الرئيسة ودول إقليمية، كالولايات المتحدة التي لا تعترف بشرعية البرهان، وفرضت عليه عقوبات مباشرة بسبب تورط قواته في استخدام الأسلحة الكيماوية.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت في يناير 2025 عن أدلة لدى مسؤولين أمريكيين تشير إلى استخدام الجيش غاز الكلورين كسلاح في مناطق نائية ضد قوات الدعم السريع.
وأضافت المصادر في تصريحات أدلت بها لـ"إرم نيوز" أن الاتحاد الأوروبي أيضا لا يعترف بسلطة "الأمر الواقع" في بورتسودان، ويتبنى سياسة الحياد التام من طرفي النزاع، مركزا على الجهود الإغاثية عبر مؤسساته المتخصصة بعيدا عن التعامل السياسي مع حكومة البرهان.
وتمثل مشاركة دول الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة ودول عربية في اجتماعات تنسيقية للإعداد لوقف إطلاق نار محتمل في السودان، رغبة خارجية جادة لكبح دوامة الحرب وإعادة المسار السياسي، وهو ما يستمر برفضه البرهان.
وأوضحت المصادر، أن التوجه الدولي يمثل عامل ضغط رئيس على البرهان، إذ يزيد موقفه حيال الاستمرار بالحرب عزلته الدولية المتنامية.
معضلة الشرعية
رأت المصادر أن البرهان يرتهن في اتخاذ قراراته لضغوط داخلية من قبل الميليشيات والقيادات الإخوانية التي تحارب إلى جانبه، وتملي عليه الاستمرار بالحرب ورفض الحوار مع قوات الدعم السريع.
ويجد البرهان نفسه محاطا بالوقت ذاته، بدعوات أفريقية للعودة إلى المسار الديمقراطي.
وأثار رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك حراكا دبلوماسيا مكثفا في هذا الصدد.
وزار حمدوك أواخر يونيو الماضي جنوب أفريقيا على رأس وفد تحالف مدني جديد يحمل اسم “صمود”، بهدف حشد الدعم لمبادرة سلام جديدة تضمن وقف الحرب وعودة الحكم المدني.
ولاقت المبادرة ترحيبا من المسؤولين في جنوب أفريقيا.
وأقلق تحرك حمدوك سلطات بورتسودان، التي سارعت وزارة خارجيتها في إصدار بيان حذرت فيه الدول الأفريقية من التعامل مع تحالف "صمود"، مهددة بأنها ستعيد تقييم علاقاتها الخارجية بناء على موقف الدول من “شرعية النظام الوطني” في السودان على حد تعبيرها.
ورأى محللون في البيان، أن معضلة الشرعية باتت نقطة ضعف أساسية للنظام في بروتسودان؛ فهو يفتقر للاعتراف الشعبي والدولي الواسع، ويسعى لانتزاعه عبر الضغوط والتحذيرات.
أزمة داخلية
قالت تقارير صحفية إن البرهان يواجه داخليا معارضة سياسية ومدنية متصاعدة، بسبب انقلابه واستحواذه على السلطة بمساعدة "اكيزان" الإخوان المسلمين، ما أدى إلى إعادة رموز النظام السابق ومصالحهم، وأجج مشاعر السخط لدى قطاعات شعبية واسعة، كانت تطمح للانتقال الديمقراطي للسلطة بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير.
وأشارات المصادر إلى أن تعطل تشكيل حكومة بورتسودان بعد مضي أكثر من 50 يوما على تكليف كامل إدريس، يمثل أحدث مؤشر على الفشل السياسي الذي يواجهه البرهان داخليا.
وفي الوقت الذي يسارع به لتشكيل الحكومة الجديدة التي يروج لها بأنها لتسيير الأعمال، تتهم أوساط سياسية البرهان، بأنه يتزعم حكومة فاقدة للشرعية ومحكوم عليها الفشل مسبقًا.
وأعلن إدريس فور تكليفه، بأنه سيسعى لتشكيل حكومة تكنوقراط خالية من الأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن ذلك يأتي لمراعاة ظروف الحرب التي تمر بها البلاد.
لكن هذا التوجه اعتبرته أحزاب وحركات سياسية سودانية، إقصائيًا، مثل القوى المدنية المناهضة للعسكر كتحالف صمود، الذي رأى في توجه إدريس محاولة لتبرئة قوات البرهان من مسؤولية الحرب والأزمة التي تعصف بالبلاد.
من جهته شن القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير، عمر الدقير هجوما لاذعا على خطاب إدريس، معتبرا أنه منفصل عن الواقع وأن حكومة تكنوقراط بلا أحزاب هي وصفة تصلح لبلد مستقر في وقت السلم، لا لبلد ينزف في أتون الحرب.
ولم يقتصر الانتقاد على المعسكر المعارض للانقلاب، بل حتى التيار المدني الموالي لقوات البرهان.
“الكتلة الديمقراطية” (وهي تحالف سياسي مؤيد للعسكر) اعترضت على استبعادها من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، رغم أنها تشكل حاضنة سياسية لقوات بورتسودان.
المأزق العسكري
أما عسكريا، أفادت التقارير بأن البرهان يواجه عزلة متزايدة، على الرغم من بعض التقدم الذي أحرزته قواته على الأرض، لا سيما في الخرطوم في مارس الماضي، إلا أن الحرب لم تنته ولا وجود لمؤشر على نصر حاسم لأي من طرفي النزاع.
وتواجه قوات البرهان تحديا أمنيا يتمثل في استمرار تأمين الدعم العسكري، فمذ بداية الحرب حاول البرهان الاعتماد على مجموعة من الحلفاء في ظل نقص التأييد الغربي، مثل روسيا وإيران.
وبعد الحرب التي خاضتها إيران مع إسرائيل، بات البرهان أمام خطر انقطاع إمداد الأسلحة من طهران التي كانت تؤمنه بالعتاد العسكري والأسلحة المتطورة، لا سيما مسيرات شاهد التي تعتمد عليها قواته بشكل شبه كامل في الغارات وتأمين التغطية الجوية في المعارك.
هذه الحرب القصيرة أضعفت القدرات العسكرية لإيران واستنزفت مواردها ووجهت تركيزها نحو جبهتها الداخلية، لا سيما بعد تضرر منشآتها الحيوية ومطاراتها العسكرية وطرائات الشحن التي كانت تعتمد عليها لتوريد السلاح.
وفي الوقت ذاته، بات تحالف البرهان مع طهران يشكل خطرا عليه، بعد إعلان إسرائيل تخوفها من هذا التحالف، إذ بدأت قوات بورتسودان تشتشعر خطر ضربة إسرائيلية محتملة في إطار حرب تل أبيب ضد الأذرع الإيرانية في المنطقة، وفق مراقبين.
ووصف تقرير إسرائيلي نشر في صحيفة "جروزاليم بوست" البرهان بـ"رجل إيران في أفريقيا" و "راعي الإرهاب في السودان".
وقال إن البرهان تحول لأداة طيعة بيد إسرائيل، تهدف إلى ضرب المصالح الإسرائيلية والغربية في أفريقيا، كما جعلت من السودان ملاذا آمنا لعناصر الميليشيات الموالية لإيران.
وبحسب المصادر فإن هذا المأزق العسكري تُضاف له الانقسامات داخل المنظومة العسكرية في قوات بورتسودان، فرغم الولاء الظاهر للبرهان في صراعه مع الدعم السريع، يبرز التململ بين الضباط من إطالة أمد الحرب بلا حسم.
وأشارت تقارير إلى اختلاف رؤى بين قيادات قوات بورتسودان حول الجدوى من استمرار القتال في ظل التدهور الشامل للدولة، فهناك من بدأ يطالب بضرورة التوصل لحل تفاوضي يجنب القوات مزيدا من الاستنزاف، خاصة مع تعثر الحسم العسكري.
إلا أن هذا الطرح يلقى رفضا قاطعا من القيادات الإخوانية المتعاونة مع البرهان، وهي التي تفرض عليه اتخاذ القرار باستمرار الحرب وعدم الذهاب لطاولة المفاوضات.
خيارات البرهان تتضاءل
قالت المصادر إن كل هذه العوامل تضع مستقبل البرهان السياسي بموقف حرج، وتجبره على سلوك طريق ضيق للمناورة، عبر الرضوخ للتفاوض.
ورأت أن أي مفاوضات ستشترط حكما مدنيا للسودان وتقليصا لصلاحيات الحركات المسلحة، وإعادة هيكلة لها وإنشاء جيش سوداني جديد، وهذا يعني فعليا انتهاء حقبة بقاء البرهان كحاكم فعلي.
ولكن هذا الخيار بحسب المراقبين، يتطلب ضغطا دوليا وإقليميا هائلا، باتت الظروف ملائمة له اليوم.
أما الخيار الآخر وهو استمرار البرهان في رفض التفاوض لإنهاء الحرب، فرأت المصادر أن الأمور في ظل هذا الخيار ستكون مهددة بالانفجار، إذ قد تشهد قوات بورتسودان انقلابا داخليا يطيح بالبرهان، كانقلابات مشابهة سبق أن شهد السودان مثيلا لها.