الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مسيّرتيْن تم إطلاقهما من اليمن
تحوّلت زيارة قائد قوات الدفاع الوطني في جنوب أفريقيا، الجنرال رودزاني مافوانيا، إلى طهران إلى بركان سياسي ودبلوماسي، بعدما أعلن من قلب طهران تضامنه العسكري والسياسي مع إيران، وهاجم إسرائيل متهمًا إياها بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.
تصريحات مافوانيا، التي تطرقت حتى إلى قصف المدنيين الفلسطينيين أثناء وقوفهم في طوابير الطعام، لم تترك مجالًا للالتباس بأن قائد الجيش الجنوب أفريقي يتبنّى خطابًا يتجاوز حدود البروتوكول العسكري ليقف في صميم المعركة الجيوسياسية.
وأشارت الباحثة في الشؤون الإيرانية، إسراء جبريل، إلى أنه في طهران، التصريحات تُقرأ كـ "شرعنة متبادلة" بين قوتين تعتبران نفسيهما في معسكر "مناهضة الاستكبار".
وأضافت، جبريل، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أنه عندما وصف، أمير حاتمي، موقف بريتوريا في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بأنه "شجاع" و"تاريخي"، فهذه ليست مجرد مجاملة دبلوماسية، بل هي جزء من سردية إيرانية تريد تصوير جنوب أفريقيا كشريك أخلاقي واستراتيجي في "معركة العدالة الدولية".
وذكرت جبريل أن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي الإيراني ربط مباشرة بين هذا الموقف وبين إرث التعاون "مع الشعوب المظلومة" منذ حقبة الأبارتايد، ليُظهر أن العلاقات العسكرية والسياسية تستند إلى قاعدة قيمية، وليست فقط براغماتية.
خلال الزيارة، التقى، مافوانيا، كبار القادة الإيرانيين ناقلًا تحيات رئيس جنوب أفريقيا، ووزير دفاعها، ومؤكدًا على ضرورة "تعميق العلاقات الدفاعية".
غير أن هذه الخطوة، بدلًا من أن تُظهر وحدة، فجّرت انقسامًا غير مسبوق في الداخل؛ المعارضة اتهمت القائد العسكري بـ"التباهي المتهور"، ودعت إلى محاكمته عسكريًا لأنه تعدّى على صلاحيات السياسة الخارجية.
الحكومة بدت مرتبكة، إذ حاولت وزارة الخارجية التملص، مؤكدة أن هذه التصريحات "لا تمثل الموقف الرسمي"، بينما وصف متحدث الرئاسة الزيارة بأنها "غير موفقة".
ودافعت وزارة الدفاع، على الضفة الأخرى، بشراسة عن الجنرال، معتبرة أن رحلته "شرعية ومصرح بها" كسائر الرحلات الدولية التي يجريها القادة العسكريون.
رد الفعل الأمريكي لم يتأخر، إذ سارعت واشنطن إلى تجميد مساعدات عسكرية لجنوب أفريقيا، وفرضت رسومًا جمركية قاسية بنسبة 30% على صادراتها، عقابًا على "إعادة إنعاش العلاقات مع طهران".
وزاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من حدّة الموقف، متهمًا بريتوريا بـ"اضطهاد البيض" ومهاجمًا دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
ولفتت، جبريل، إلى أن تصريحات، أمير حاتمي، حول "العدالة والكرامة الإنسانية" ستُضخَّم إعلاميًا لتأكيد أن القضية ليست فقط سياسية بل قانونية وأخلاقية، طهران ستربط خط دفاع جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية بمواقفها الخاصة لتقديم صورة جبهة جنوبية متماسكة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
تداعيات الأزمة لم تقف عند حدود السياسة، بل امتدت إلى الاقتصاد؛ فرغم أن الرئيس، سيريل رامافوزا، حاول خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض استرضاء واشنطن بصفقات لشراء الغاز الطبيعي المسال واستثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار، جاءت الضربة موجعة مع فرض الرسوم العقابية التي تزيد من متاعب الاقتصاد الجنوب أفريقي المتعثر.
والنتيجة كانت برودا دبلوماسيا متصاعدا وجمودا في العلاقات مع أحد أكبر شركاء بريتوريا التجاريين.
وبينت، جبريل، أن التقارب الإيراني-الجنوب أفريقي قد يفتح الباب أمام شبكة تعاون أوسع، حيث وُقعت في أغسطس/آب 2023، اتفاقية تعاون بين وزيري خارجية إيران وجنوب أفريقيا لتطوير وتجهيز مصافي التكرير، حيث تعهّدت وزارة النفط الإيرانية بتقديم خدمات فنية وهندسية لتطوير خمس مصافٍ جنوب أفريقية؛ وهذه الاتفاقية تمثل بُعدًا اقتصاديًا/طاقويًا موازياً للتقارب العسكري والسياسي.
بالنسبة لإيران، كانت الزيارة بمثابة نصر رمزي، إذ حصلت على دعم علني من جيش دولة أفريقية بارزة ذات تاريخ نضالي عالمي.
أما جنوب أفريقيا، فقد وجدت نفسها أمام سؤال وجودي، هل تبقى رائدة في الدفاع عن "المظلومين" وحقوق الإنسان عالميًا، أم تخسر مكانتها الدولية بالانحياز إلى مواقف تثير العزلة وتُعرضها لضغوط اقتصادية؟
وقالت، جبريل، إن إيران تستعمل جنوب أفريقيا كبوابة اقتصادية نحو القارة، من خلال الخدمات الهندسية، النفط، البنى التحتية، ما يسمح بالالتفاف على العقوبات الغربية، وهذا يعزز تحليل أن طهران تعتبر، بريتوريا، ممرًّا للتوسّع الأفريقي، خاصة مع دول صديقة أو حيادية داخل الاتحاد الأفريقي.
أما من الناحية الدعائية فترى جبريل أن إيران ستحرص على إبراز البُعد الاقتصادي (اتفاق المصافي) إلى جانب البُعد العسكري/القانوني، لتقول إن تحالفها مع جنوب أفريقيا ليس رمزيا بل هو ذو نتائج ملموسة في الطاقة والتنمية.
في السياق ذاته، قال، محمد عبدالسلام، المتخصص في الشؤون الإيرانية، إن إيران ستوظف هذه الزيارة لإبراز شرعيتها كقوة داعمة لـ"المظلومين"، وتعزيز خطابها المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة عبر إظهار أن دعمها يتسع ليشمل قوى وازنة في أفريقيا.
وأكد عبدالسلام، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن طهران ستستغل هذه الزيارة أيضًا لتأكيد روايتها عن تكوين جبهة عالمية بديلة في الجنوب، تكسر هيمنة الغرب وتربط نضال غزة بتاريخ مقاومة الاستعمار والفصل العنصري في أفريقيا.
وتحولت رحلة، مافوانيا، من زيارة بروتوكولية إلى حدث يعكس التناقضات العميقة في سياسة جنوب أفريقيا الخارجية.
فبينما يراها البعض استمرارًا لإرثها المناهض للفصل العنصري، يعتبرها آخرون تجاوزًا خطيرًا يقوض الدبلوماسية الرسمية ويضع البلاد في مواجهة مباشرة مع الغرب.
الأسئلة المُلحة تظل معلّقة، فهل سيعزز هذا التحالف مع إيران مكانة، بريتوريا، كصوت عالمي للمقهورين؟ أم أن الثمن الاقتصادي والدبلوماسي سيكون أثقل مما يمكن احتماله؟ العالم يترقب، وجنوب أفريقيا على مفترق طرق خطير.