على مدى عقود، كانت بغداد وبيروت تُصنفان كعاصمتي نفوذ إيراني بلا منازع، تمارس طهران فيهما تأثيرًا مباشرًا على القرارين السياسي والأمني.
لكن جولة علي لاريجاني الأخيرة، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كشفت عن واقع جديد، فقد تراجعت قدرة إيران على فرض أجندتها وسط مشهد إقليمي ومحلي أكثر تعقيداً. فهل انتهى زمن التفويض المطلق لنفوذ طهران في هاتين العاصمتين؟
حملت لقاءات لاريجاني الرسمية عناوين "التعاون الأمني" و"ضبط الحدود"، لكن خلف الأبواب كان النقاش حول مستقبل الحشد الشعبي محوراً أساسياً. بغداد أوصلت رسالة واضحة: أي تفاهمات تمر عبر الدولة وبشروط صارمة، مع مسار حكومي متسارع لدمج الحشد ضمن المؤسسة الأمنية، وتقليص أي استقلالية للفصائل، استجابة لضغوط داخلية وخارجية. النتيجة: زيارة بروتوكولية عالية الحضور، لكنها محدودة المخرجات.
في لبنان، واجه لاريجاني بيئة مشبعة بالأزمات وضغوط دولية وعربية متزايدة لحصر السلاح بيد الدولة. محاولاته لضمان دور أمني موازٍ لحزب الله في أي تسوية مقبلة قوبلت برفض واضح، وسط إدراك لبناني متنامٍ بأن الاستقرار لن يتحقق دون معالجة ملف السلاح غير الشرعي. الموقف اللبناني ترافق مع دعم إقليمي لمفهوم السيادة الكاملة، ما حدّ من قدرة طهران على المناورة.
التحولات في العراق ولبنان تتقاطع مع تراجع قدرة إيران الاقتصادية على تمويل حلفائها، وتبدل المزاج الشعبي الرافض للتبعية. حتى الأدوات الأمنية والسياسية التقليدية باتت تصطدم بسقوف سيادية واضحة، تجعل الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ إنجازاً مؤقتاً.
جولة لاريجاني أظهرت أن العراق ولبنان لم يعودا ساحات مفتوحة للنفوذ الإيراني بلا قيود. فهل هذا بداية مرحلة انحسار طويل المدى لدور طهران في "عواصم النفوذ"؟ أم أن إيران ستجد صيغة جديدة تعيدها إلى قلب المعادلة؟