رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الحضور الروسي داخل قطاع الطاقة النووية في القارة الأفريقية، في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ الروسي عبر مشاريع تنموية كبرى وتوسيع الاعتماد المتبادل في مجال الطاقة النظيفة.
فبينما تواجه أفريقيا تحديات متزايدة في تلبية احتياجاتها من الكهرباء، تسعى موسكو إلى ملء الفراغ الذي تركته القوى الغربية، مقدمةً نفسها كشريك تنموي طويل الأمد يقوم على المصالح المشتركة.
يرى الخبير السياسي الروسي دينيس كوركودينوف، المدير العام للمركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي (DIIPETES)، أن النهج الروسي في أفريقيا يتجاوز فكرة المشاريع التجارية البحتة، موضحاً أن موسكو "تسعى إلى شراكة طويلة الأمد مبنية على الاحترام المتبادل والسيادة والتنمية المستدامة".
ويضيف كوركودينوف في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن الرؤية الاستراتيجية الروسية تندرج في إطار سياسة موسكو الرامية إلى "تعزيز النظام العالمي المتعدد الأقطاب، وتطوير التعاون القائم على المنفعة المتبادلة مع دول الجنوب العالمي"، مشدداً على أن "أمن الطاقة هو الأساس الجوهري للنمو الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يجعل تطوير الطاقة النووية الأفريقية أولوية استراتيجية بالنسبة لروسيا".
توسع جغرافي
وقّعت روسيا من خلال شركة "روس آتوم" اتفاقيات تعاون نووي مع أكثر من 20 دولة أفريقية، تشمل مشاريع رئيسة في مصر والنيجر ونيجيريا، إلى جانب اتفاقيات فنية مع إثيوبيا وبوركينا فاسو ومالي.
في مصر، يمثل مشروع محطة الضبعة النووية نموذجاً للتعاون الاستراتيجي، بتكلفة تقارب 28.75 مليار دولار وطاقة إنتاجية تصل إلى 4,800 ميغاواط، بتمويل روسي يغطي 85% من قيمته.
كما تتضمن الخطط الروسية في النيجر ونيجيريا إنشاء مفاعلين بقدرة تتراوح بين 4,000 و4,800 ميغاواط لاستغلال احتياطيات اليورانيوم الضخمة في البلدين.
ووفق كوركودينوف، فإن موسكو "لا تبني منشآت فحسب، بل تساعد شركاءها على تأسيس صناعات نووية وطنية متكاملة تشكل ركيزة للسيادة التكنولوجية"، مشيراً إلى أن محطة الضبعة في مصر "تحفّز تطوير قطاعات صناعية وعلمية مرتبطة بالطاقة النووية، ما يجعلها مشروعاً سيادياً بامتياز".
التقنيات والتمويل
تعتمد "روس آتوم" على نموذج تعاون متكامل يشمل البناء والتشغيل والصيانة والتدريب الفني، مع توفير تمويل ميسر طويل الأمد ونماذج استثمار مثل نظام البناء والتشغيل والنقل (BOOT).
كما تطرح موسكو حلولاً مبتكرة مثل المفاعلات العائمة، التي يمكن استخدامها لتوليد الطاقة وتحلية المياه في المناطق الساحلية والجزرية ذات البنية التحتية الضعيفة.
ويؤكد كوركودينوف أن نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية يمثلان محوراً أساسياً في الشراكة النووية مع أفريقيا، موضحاً أن روسيا "تُشرك الشركات المحلية في سلاسل التوريد، ما يعزز قطاعات الهندسة والبناء والخدمات، ويخلق آلاف الوظائف عالية المهارة".
كما يشير إلى أن موسكو "تستقبل سنوياً مئات الطلاب الأفارقة للدراسة في الجامعات الروسية المتخصصة في الفيزياء النووية والهندسة والأمن الدولي"، بالإضافة إلى إنشاء مراكز تدريب محلية في الطب النووي، وتعقيم الأغذية، واستخدام النظائر في الزراعة والمياه.
النفوذ الجيوسياسي
التوسع النووي الروسي في أفريقيا لا يحمل بعداً اقتصادياً فحسب، بل يعزز النفوذ الجيوسياسي لموسكو في قارة تشهد تنافساً متزايداً بين القوى الكبرى.
ويقول كوركودينوف إن "روسيا تشارك بنشاط في صياغة بنية جديدة للتعاون الدولي في المجال النووي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك إنشاء منصة الطاقة الذرية ضمن مجموعة بريكس، التي تتيح فرصاً جديدة للتمويل وتقلل من المخاطر السياسية".
كما يشكل توسع روسيا في قطاع تعدين اليورانيوم في دول مثل النيجر ونيجيريا بعداً إضافياً للتحكم في سلاسل التوريد العالمية للطاقة، ما يعزز دور موسكو كفاعل رئيس في الاقتصاد الطاقوي الدولي.
ورغم الزخم الكبير الذي تحققه هذه المشاريع، تواجه روسيا وشركاؤها الأفارقة تحديات معقدة، أبرزها ضعف البنية التحتية النووية، وصعوبة التمويل، وضرورة الالتزام الصارم بمعايير السلامة.
ويعترف كوركودينوف بأن "بعض الدول الأفريقية تفتقر إلى شبكات كهرباء قادرة على استيعاب محطات بهذا الحجم"، لكنه يوضح أن روسيا "تعتمد نماذج تمويل مرنة، وتلتزم بأعلى معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تصميم وتشغيل منشآتها، لضمان السلامة والاستدامة".
ويختم كوركودينوف بالقول إن "التعاون النووي الروسي-الأفريقي ليس مجرد استثمار في الطاقة، بل هو استثمار في المستقبل الصناعي والسيادي للقارة بأكملها"، مؤكداً أن هذا المسار "سيسهم في معالجة فقر الطاقة، وتعزيز التنمية المستقلة، وخلق نظام عالمي أكثر توازناً".