الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تحركت بكين بخطى محسوبة نحو عمق آسيا الوسطى، لتعيد صياغة موازين القوى في منطقة طالما اعتُبرت المجال الحيوي لروسيا.
وبحسب "جيمس تاون فاونديشن"، فإن بكين من خلال قمم متعددة أبرزها قمة منظمة شنغهاي للتعاون وقمة الصين-آسيا الوسطى، عززت حضورها عبر اتفاقات اقتصادية هائلة تُقدّر بـ25 مليار دولار، لتؤكد أنها لم تعد شريكًا اقتصاديًا فحسب، بل قوة استراتيجية صاعدة في المنطقة.
ويرى المحللون أن القمم الأخيرة منحت بكين فرصة مزدوجة: الأولى لإظهار نفسها كقائد دولي من خلال منظمة شنغهاي للتعاون، والثانية لتحقيق نتائج ملموسة عبر القمة الثنائية مع دول آسيا الوسطى؛ فقد شهدت هذه القمم توقيع عشرات الاتفاقيات في قطاعات الطاقة والنقل والتعدين، وهي المجالات التي تمتلك فيها الصين تفوقًا تكنولوجيًا وتمويليًا.
ومن خلال هذه الشراكات، تعزز بكين مكانتها كفاعل اقتصادي رئيسي، فيما يزداد تراجع روسيا التي لم تعد قادرة على منافسة الحضور الصيني في القطاعات الحيوية، وباتت بكين تقدم نفسها كقوة بديلة في التنمية الإقليمية، تجمع بين التمويل والخبرة التقنية والانفتاح السياسي.
ويعتقد مراقبون أن هذا التمدد تقف في مركزه مشاريع الطاقة المتجددة والنووية، التي تستخدمها الصين كأداة لبناء شبكة نفوذ دائمة؛ فالشركات الصينية أبرمت اتفاقيات لتطوير مشاريع كهرباء عالية الجهد، وتعاون في مجال الهيدروجين والتخزين المائي، إلى جانب استثمارات ضخمة في النحاس والألومنيوم ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
كما برزت الصين في قطاع الطاقة النووية؛ إذ أصبحت شريكًا أساسيًا في بناء محطتين نوويتين في كازاخستان، بعد أن كانت روسيا المهيمن التاريخي على هذا المجال، وتُظهر هذه التحركات أن بكين لا تكتفي بالبحث عن الموارد، بل تسعى لبناء منظومة إمداد متكاملة تضمن استمرار نفوذها لعقود قادمة.
ورغم استمرار التعاون بين موسكو وبكين ضمن ما يسمى بـ"الشراكة بلا حدود"، فإن موازين القوة داخل آسيا الوسطى تميل بوضوح نحو الصين؛ فبينما تبقى روسيا الشريك الأمني والعسكري، تحولت الصين إلى الشريك التجاري والتكنولوجي الأول لأربع من دول المنطقة الخمس.
وحتى في القطاعات الحساسة مثل الطاقة النووية، باتت الصين تنافس روسيا مباشرة، وهذا التغير يعكس أثر الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية التي أضعفت قدرة موسكو على الحفاظ على مكانتها، وفتحت المجال أمام بكين لتتقدم بهدوء كقوة بديلة وأكثر استقرارًا.
ويرجّح الخبراء أن التمدد الصيني في آسيا الوسطى يبدو أنه يواجه قدرًا ضئيلًا من المعارضة الدولية؛ خصوصًا أن الأنظمة الحاكمة في المنطقة، ترى في التعاون مع بكين فرصة اقتصادية وتنموية أكثر من كونه تهديدًا سياسيًا، ومع غياب رد فعل غربي فعّال، تواصل بكين توسيع حضورها في البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا، لتصبح الشريك الذي لا غنى عنه في قلب أوراسيا.
وفي هذا السياق تُظهر تطورات عام 2025 أن آسيا الوسطى تشهد تحولًا استراتيجيًا حاسمًا: من منطقة نفوذ روسي تقليدي إلى ساحة نفوذ صيني متنامٍ، ومن خلال أدوات الاقتصاد، والاستثمار، والطاقة، والتمويل، تبني بكين نظامًا إقليميًا جديدًا، لتعيد رسم خارطة النفوذ في قلب القارة بهدوء وفاعلية.