تتحدّى الصين النفوذ الروسي بشكل واضح في آسيا الوسطى، وهو ما يخلق تحوّلًا في ديناميكيات السلطة لمشهد جيوسياسي غاية في التعقيد، وفق تحليل لأكاديمي فرنسي.
ويُلقي إيمانويل لينكوت، عالم الصينيات والأستاذ في المعهد الكاثوليكي بباريس، الضوء على هذا السيناريو في مقابلة حصرية مع صحيفة "لوفيجارو".
دور متنام للصين
ويشير لينكوت إلى أن الصين تنظر إلى آسيا الوسطى باعتبارها منطقة حاسمة بالنسبة للمخاوف الأمنية والتوسّع الاقتصادي، ويسبق هذا المنظور الحرب الأوكرانية، إذ أكدت بكين منذ فترة طويلة على الروابط التاريخية بين آسيا الوسطى والصين، وأصبحت الأهمية الإستراتيجية لشينجيانغ، أو منطقة الأويغور، واضحة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991؛ ما أتاح للصين الوصول إلى منطقة آسيا الوسطى بأكملها.
وتؤكد مبادرات مثل إنشاء معاهد كونفوشيوس وقمة آسيا الوسطى والصين في شيآن (أبريل/نيسان 2023) على دور الصين المتنامي في المنطقة، إذ تمتدّ مشاركة الصين إلى ما هو أبعد من المجالات الاقتصادية والثقافية، ولها حضور كبير في البنية التحتية والاتصالات والتعاون الأمني ضد الإرهاب.
تحديات الحلم الصيني
ويرى لينكوت أن فرض "الحلم الصيني" في آسيا الوسطى يواجه تحديات، ولا سيما بسبب التوترات الناشئة عن سياسات الصين، مثل تلك الموجّهة ضد الأويغور، والتي ينظر إليها السكان الناطقون باللغة التركية بعين الريبة.
ويقدم لينكوت مفهوم "اللعبة العظيمة جدًّا"، في إشارة إلى الفترة المعاصرة التي تحتلّ فيها الصين مركز الصدارة في آسيا الوسطى، في حين ينسحب الأوروبيون من المشهد، إذ يتوازى هذا مع "اللعبة الكبرى" التاريخية بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية في القرن التاسع عشر، ما يمثّل لحظة محورية في تاريخ المنطقة.
ويُستخدم مصطلح "مجالات القوة" لوصف المنافسات والحركات داخل آسيا الوسطى، حيث تجذب قوى الجذب المركزي المراكز السياسية نحو مركز المنطقة، بينما تدفعها قوى الطرد المركزي بعيدًا.
انحسار النفوذ الروسي
ويلاحظ لينكوت الطبقة الحالية التي ينحسر فيها النفوذ الروسي لصالح الصين، والتي بدأها إنهاء الاستعمار السوفيتي في آسيا الوسطى في عام 1991.
وتعدّ آسيا الوسطى، وفقًا للينكوت، بمثابة مختبر دبلوماسي ونقطة ساخنة لمختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك القوى الإقليمية، مثل: إيران، وقطر، وتركيا، فضلًا عن الجماعات الإرهابية التي تتنافس على النفوذ.
طريق الحرير .. إحياء شراكات قديمة
وفي وسط هذه القوى المتنافسة، يظلّ مشروع "طريق الحرير"، الذي يستحضر الخيال القديم، ذا صلة بالموضوع، ويقدم عمقًا وأصداء تاريخية لشركاء الصين.
وفي حين قد يكون لدى آسيا الوسطى روابط لغوية وثقافية مشتركة، يؤكد لينكوت افتقارها إلى الوحدة مقارنة بأوروبا، حيث تُسهم الاختلافات في تصور الاستعمار الروسي والإرث السوفيتي المتناقض في هذا التنوع الإقليمي.
ورغم القواسم المشتركة، فإن سياسة موحدة شبيهة بسياسة الاتحاد الأوروبي لم تظهر بعد، إذ تعطي دول المنطقة الأولوية غالبًا للسيادة.
وختم لينكوت بتسليط الضوء على الديناميكيات المعقّدة الجارية في آسيا الوسطى، إذ يشكّل صعود الصين تحديًا للسلطة الروسية، مبينًا أن الأهمية التاريخية للمنطقة، مقترنة بالتحولات الجيوسياسية المعاصرة، تضع آسيا الوسطى باعتبارها ساحة بالغة الأهمية "للعبة الكبرى للغاية" الجارية، والتي تؤثر على المشهد الجيوسياسي العالمي.
المصدر: صحيفة لوفيغارو الفرنسية