الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
نجحت كلٌّ من كازاخستان وأوزبكستان في انتزاع اهتمام واشنطن والشركات الأمريكية الكبرى، موقعتين عقودًا واستثمارات بمليارات الدولارات، في خطوة تشير إلى تحوّل استراتيجي يوازن بين النفوذ الغربي والروابط التاريخية مع موسكو.
ففي نيويورك، وفي مشهد دبلوماسي لافت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف عن حزمة استثمارات أمريكية محتملة تتجاوز 100 مليار دولار، من بينها صفقة تاريخية لشراء 22 طائرة "بوينغ 787 دريملاينر" بقيمة 8 مليارات دولار، وهي خطوة وصفها ترامب بأنها "ستخلق 35 ألف وظيفة أمريكية".
وكشف "جيمس تاون فاونديشن"، أن هذه الاتفاقيات تشمل مجالات البنية التحتية، والتحول الرقمي، وتطوير الأسواق المالية، فضلًا عن إعلان نية أوزبكستان الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بحلول عام 2026؛ ما يعكس اندماجًا متسارعًا في الاقتصاد العالمي.
وفي المقابل، وقّع الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف اتفاقًا مع شركة "واب تيك" الأمريكية لإنتاج وصيانة 300 قاطرة بقيمة 4.2 مليار دولار، ضمن مشروع مشترك في أستانا لتصبح أول قاعدة لإنتاج محركات الديزل للشركة خارج الولايات المتحدة، كما عقد توكاييف اجتماعات مع شركات كبرى مثل شيفرون، وسيتي قروب، وميتا، وإكسون موبيل، مؤكّدًا استمرار التعاون في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والبنوك، بينما جدّدت شيفرون التزامها باستثمار 55 مليار دولار في مشروع "تنغيز" النفطي العملاق في كازاخستان.
ويرى الخبراء أن تحركات كازاخستان وأوزبكستان لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الجيوسياسي المتوتر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؛ فكلا البلدين يسعيان إلى تعزيز مكانتهما كشريكين أساسيين للغرب، دون القطيعة مع موسكو، وهو توازن دقيق تحكمه الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد، ورغم انفتاح توكاييف على واشنطن، فإنه أبقى على قنوات التواصل مفتوحة مع الكرملين؛ إذ من المقرر أن يزور موسكو في نوفمبر، بينما سيزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كازاخستان بعد ذلك مباشرة، في مؤشر على استمرار سياسة "الحياد النشط".
كما يعتقد مراقبون أن الزيادة الواضحة في الحضور الدبلوماسي لكلٍّ من كازاخستان وأوزبكستان تعكس توجّهًا أوسع في آسيا الوسطى نحو امتلاك صوتٍ أقوى على الساحة الدولية.
من جهته كشف المحلل السياسي في شؤون آسيا الوسطى أركادي دوبنوف، أن "الفضاء ما بعد السوفييتي يشهد مرحلةً لافتة من النشاط المتصاعد تتجه نحو أمريكا"، ويرى دوبنوف أن "اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، الذي ينصّ على أن تتولى الشركات الأمريكية ضمان بناء البنى التحتية الحيوية للاتصالات في جنوب القوقاز، يُمثّل خطوة جوهرية للابتعاد عن موسكو".
وخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى الرئيس توكاييف بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي طرح فكرة أن تكون كازاخستان مكانًا محتملًا لاستضافة محادثات سلام بين موسكو وكييف، كما عقد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف لقاءً مع زيلينسكي في كوبنهاغن، جرى بالإنجليزية، وهو ما فعله توكاييف أيضًا، في إشارة إلى تحوّلٍ تدريجي في أدوات الخطاب والدبلوماسية بالمنطقة.
وفي الوقت نفسه، يعكس صعود أوزبكستان وكازاخستان على المسرح الدولي رغبة مركزية في أن تكون آسيا الوسطى أكثر من مجرد هامش في لعبة القوى الكبرى؛ خصوصًا أن كلا البلدين يقدمان نفسيهما كـ"جسر" بين روسيا والغرب، وكمحور للطاقة والربط اللوجستي بين أوروبا وآسيا.
ويرى محللون أن قادة آسيا الوسطى والقوقاز يُظهرون تباينًا في أساليبهم للتعامل مع الولايات المتحدة؛ إذ أقام كلٌّ من الرئيس علييف والرئيس ميرزيوييف علاقات شخصية غير رسمية مع إدارة ترامب، ما منح دبلوماسيتهما بعدًا متعدد المستويات، وفي المقابل، اعتمد الرئيس توكاييف على القنوات الدبلوماسية الرسمية، وهو نهج قد يبدو محدود التأثير في الظروف الحالية.
لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت أن آسيا الوسطى أصبحت لاعبًا أكثر وضوحًا وحزمًا على الساحة الدولية، حيث تسعى أوزبكستان وكازاخستان إلى شراكات اقتصادية متنامية مع الولايات المتحدة في مجالات الطاقة والنقل والتكنولوجيا، بينما ستظل ديناميكيات النخبة الداخلية والتوازن بين واشنطن وبكين وموسكو عاملًا حاسمًا في تحديد موقع البلدين في السنوات المقبلة.