تتصاعد أهمية أفريقيا على الساحة الدولية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع التركيز على استراتيجيات جديدة قائمة على الصفقات والاستثمار، بدلًا من الاعتماد على المساعدات التقليدية.
وكشفت مجلة "نيوزويك" أن القارة التي يقطنها أكثر من 1.5 مليار نسمة وتضم ثروات طبيعية هائلة، تُعد ساحة مواجهة محتملة بين القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، الصين وروسيا، مع فرص كبيرة للاستفادة الاقتصادية والسياسية إذا ما نجحت واشنطن في صياغة شراكات فعّالة.
يشير خبراء السياسة الخارجية إلى أن القارة الأفريقية تمثل واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية التي لم تُستغل بعد بالشكل المناسب من قبل الولايات المتحدة.
في المقابل، عززت الصين خلال العقود الماضية من حضورها الاستراتيجي في المنطقة، لا سيما في قطاع المعادن النادرة، حيث تسيطر على نحو 85% من المعالجة العالمية، ما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا.
قال لاندري سيجني، الزميل المتميز في مركز الدراسات الأفريقية بجامعة ستانفورد، للمجلة إن النهج التفاعلي لإدارة ترامب يركز على الشراكات التجارية بدلاً من المساعدات المشروطة، وهو ما يلقى قبولًا لدى القادة الأفارقة.
وأضاف أن اتفاق السلام الأخير بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا يمثل نموذجًا للتعاون العملي القائم على المصالح المشتركة، بدلًا من النهج التقليدي للدبلوماسية الغربية.
ويبرز ممر لوبيتو كمثال على الشراكات المحتملة بين الولايات المتحدة وأفريقيا: مشروع سكة حديد بطول 800 ميل يربط ميناء لوبيتو الأنغولي بجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، بهدف تعزيز الوصول إلى المعادن النادرة وتطوير البنية التحتية؛ لكن الصين تسبق واشنطن في تنفيذ مشاريع مماثلة، مثل خط سكة حديد تازارا التاريخي.
ومع ذلك، يرى الخبراء أن الاستثمار الأمريكي في إنشاء مراكز معالجة المعادن في أفريقيا يمكن أن يوفر فرص عمل محلية ويعزز الأمن في سلاسل التوريد العالمية.
المنافسة بين القوى الكبرى
لا تقتصر المنافسة على الاقتصاد فقط، بل تشمل النفوذ السياسي والأمني؛ فقد عززت روسيا تواجدها في الساحل الأفريقي من خلال "فيلق أفريقيا"، واستغلت الفراغ الأمني بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. في الوقت نفسه، فقدت فرنسا بعض تأثيرها التقليدي بعد تحولات في القيادة مثل انقلاب مدغشقر الأخير، مما يفتح المجال أمام واشنطن لإعادة بناء نفوذها.
وفقًا لجيه بيتر فام، المبعوث الأمريكي السابق لمنطقة البحيرات العظمى والساحل، فإن إشراك أفريقيا بفعالية يوفر للولايات المتحدة ميزة استراتيجية، ليس فقط للوصول إلى المعادن الحيوية، بل لتعزيز معايير حوكمة الشركات والاستدامة البيئية، بما يضمن تحقيق فوائد ملموسة للدول الأفريقية نفسها.
ويرى فام أن الصين وروسيا ربما بلغت ذروتها في المنطقة، إذ تواجه الصين قيودًا اقتصادية تقلل من قدرتها على زيادة استثماراتها، بينما تواجه روسيا حدودًا واضحة لقدرات مجموعاتها شبه العسكرية.
من ناحية أخرى، يشير الزميل إيبينيزر أوباداري إلى أن التحدي الأكبر أمام واشنطن هو إقناع الدول الأفريقية بأنها تختلف عن الصين وروسيا، وأن الشراكة الأمريكية توفر مزايا ملموسة، خاصة في ضوء شعور بعض الحكومات الأفريقية بالاستياء من النفوذ الروسي والصيني المتزايد.
فرص ترامب المستقبلية
تؤكد استراتيجية ترامب على أربعة محاور رئيسية: القوة، الازدهار، السلام، والمبادئ، مع التركيز على القوة الاقتصادية والازدهار التجاري.
ويشير الخبراء إلى أن الاستثمار الأمريكي في المعادن والبنية التحتية الرقمية والتكنولوجية يمكن أن يمنح واشنطن ميزة نسبية على الصين، لا سيما مع الشباب الأفريقي الذي يبلغ متوسط عمره 19 عامًا، مما يتيح فرصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال والتقنيات الحديثة.
ومع استمرار المنافسة الجيوسياسية، تصاعدت التوترات الأمريكية الصينية حول المعادن النادرة، حيث فرضت واشنطن قيودًا على الصادرات الصينية، وردت بكين بإجراءات مماثلة تجاه الواردات الأفريقية، مما يضع القارة في قلب سباق عالمي لتأمين الموارد الحيوية.
وعليه، فإن النجاح الأمريكي في أفريقيا يعتمد على القدرة على صياغة شراكات استراتيجية شاملة تجمع بين المصالح الاقتصادية، الاستثمارات التكنولوجية، والدبلوماسية الأمنية.
ومع وجود منافسين مثل الصين وروسيا الذين يسعون لتعزيز نفوذهم، يرى المحللون أن الوقت حاسم لإدارة ترامب لاستثمار الفرصة وتحقيق أهدافها الاستراتيجية، بما يتوافق مع رؤية "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
في الختام، يبرز واضحًا أن أفريقيا لم تعد مجرد منطقة ثانوية على خريطة السياسة الدولية، بل أصبحت مسرحًا أساسيًا للصراع على الموارد والنفوذ، وفرصة محتملة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي ومكانته الجيوسياسية، إذا نجحت واشنطن في دمج استراتيجيتها الاقتصادية مع الدبلوماسية العملية وشراكات مستدامة مع الحكومات الأفريقية.