logo
العالم

50 مليار يورو للتسليح.. ألمانيا توجه "رسالة مزدوجة" في قلب أزمة أوكرانيا

أفراد من الجيش الألمانيالمصدر: وكالة الأنباء الأوروبية

لم يمر قرار البرلمان الألماني إقرار مشتريات عسكرية بقيمة 50 مليار يورو باعتباره خطوة دفاعية تقليدية، بل بدا كرسالة سياسية مزدوجة التوقيت والمضمون، في لحظة إقليمية ودولية تتكثف فيها المبادرات الداعية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا. 

فالقرار جاء متزامنًا مع تصعيد لافت في خطاب المستشار فريدريش ميرتس بشأن استخدام الأرصدة الروسية المجمدة، وهو ما أعاد طرح تساؤلات حول ما إذا كانت برلين تتهيأ لمرحلة تفاوضية حاسمة، خاصة أنها تحاول إعادة تموضعها داخل معادلة الردع الأوروبي الأوسع.

وأكد خبراء أن إقرار البرلمان الألماني حزمة مشتريات عسكرية بقيمة 50 مليار يورو يعكس امتلاك برلين نقاط قوة حقيقية تتجاوز البعد العسكري المباشر، وفي مقدمتها القدرات الصناعية المتقدمة والمرونة المالية والقدرة على توجيه قرار أوروبي جماعي إلى جانب النفوذ السياسي داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. 

وأضافوا أن تصعيد المستشار فريدريش ميرتس بشأن استخدام الأرصدة الروسية المجمدة لا ينفصل عن محاولة تعزيز أوراق الضغط الغربية قبل أي تسوية محتملة وفرض توازن تفاوضي يمنع تحويل مبادرات السلام إلى مكاسب مجانية لموسكو. 

أخبار ذات علاقة

المستشار الألماني فريدريش ميرتس

برلمان ألمانيا يقر مشتريات عسكرية بـ50 مليار يورو

تعزيز الردع ورفع كلفة الحرب

وأشاروا إلى أن توقيت هذا التصعيد، المتزامن مع الحديث عن مسارات دبلوماسية، يعكس قناعة ألمانية بأن السلام لا يُفرض من موقع ضعف، بل من خلال تعزيز الردع ورفع كلفة الحرب على روسيا، بما يضمن لأوروبا موقعًا فاعلًا في صياغة أي اتفاق نهائي.

وأكد كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، أن التحركات الألمانية الأخيرة، في ظل التقارب الأمريكي الروسي حول الملف الأوكراني، تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية تتعلق بالأهداف الحقيقية لبرلين خلال المرحلة المقبلة. 

وأشار حميد لـ"إرم نيوز" إلى أن هذه التحركات قد تعكس وجود خطط استراتيجية تستهدف التحضير لمواجهة محتملة مع القوات الروسية، بالتوازي مع مساعٍ لإعادة تطوير القدرات العسكرية الألمانية داخليًا، بما في ذلك طرح مسألة فرض التجنيد الإلزامي على الشباب.

وأضاف أن هذه الخطوات تمثل محاولات واضحة من ألمانيا للعودة بقوة إلى الساحة العسكرية، مستندة إلى مبررات الحرب الروسية الأوكرانية، وتوظيف سيناريو التهديد الروسي المحتمل لألمانيا أو لدول أوروبية أخرى.

رفع السقف التفاوضي

وأشار إلى أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إلى جانب عدد كبير من القادة الأوروبيين يدركون أن مآلات الحرب في ظل الوضع الميداني الراهن والتحركات الأمريكية الأخيرة، تميل لمصلحة الكرملين، وهو ما يدفع برلين إلى رفع سقف خطابها السياسي والأمني، في محاولة لإعادة التموضع داخل معادلة دولية آخذة في التشكل.

وكشف الخبير في الشؤون الأوروبية أن التصعيد الأخير لميرتس تجاه الموقف الأمريكي، والدفاع العلني عن المصالح الألمانية، جاء متزامنًا مع نشر الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي، التي تعكس تراجع التزام واشنطن بالدفاع عن أوروبا ومصالحها العالمية. 

ولفت إلى أن هذا التحول أنهى قناعة راسخة في بروكسل بأن المظلة الأمريكية ستبقى ضامنة لأمن القارة، سواء عبر البند الخامس من ميثاق الناتو أو عبر التحالف الأطلسي التقليدي.

أخبار ذات علاقة

دبابات ألمانية من فئة "ليوبارد".

عتبة "اقتصاد الحرب".. ألمانيا تتأهب للردع المبكر بميزانية عسكرية ضخمة

توفير التمويلات العسكرية

وعلى الصعيد الداخلي، كشف أن ألمانيا تواجه صعوبات حقيقية في توفير التمويلات العسكرية الضخمة، في ظل العجز الاقتصادي، ما يفسر تصاعد الحديث عن استغلال الأصول الروسية المجمدة، التي يتم الترويج لاستخدامها لدعم أوكرانيا، فيما الهدف الفعلي يتمثل في تدوير هذه الأموال داخل الاقتصاد الأوروبي، وبصورة غير مباشرة لصالح الجهات الداعمة لكييف.

وأكد أن أي زيادة في الإنفاق العسكري ستقابلها حتمًا زيادات ضريبية وتقليص في الإنفاق الاجتماعي، ما يفسر البحث المتزايد عن بدائل تمويلية، كالقروض أو الاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة، وهي مقترحات بات ميرتس يطرحها بوضوح على حلفائه الأوروبيين.

ورأى أن التلويح بالتهديد الروسي لا يتجاوز كونه فزاعة لإعادة هيكلة أوروبا عسكريًا وتقاسم مناطق النفوذ عالميًا، في ظل تنامي القوة الصينية وصمود القدرات الروسية، مشيرًا إلى أن أوروبا اعتادت تصدير أزماتها الاقتصادية والاجتماعية عبر افتعال أو استثمار أزمات دولية.

من جانبه، أكد هشام معتضد، الباحث الاستراتيجي، أن تصديق البرلمان الألماني على مشتريات عسكرية بقيمة 50 مليار يورو لا يمكن التعامل معه كإجراء مالي عابر، بل يمثل تحولاً بنيويًا عميقًا في العقيدة الدفاعية الألمانية.

وقال معتضد لـ"إرم نيوز" إن برلين تنتقل بوضوح من سياسة الردع الرمزي إلى ردع عملي قابل للتطبيق، في سياق أوروبي يتسم بعودة منطق الصراع بين القوى الكبرى وتآكل مسلّمات ما بعد الحرب الباردة.

وتابع: "قوة ألمانيا لا تكمن فقط في حجم الإنفاق، بل في امتلاكها قاعدة صناعية عسكرية متقدمة، تتيح تحويل الميزانيات إلى قدرات قتالية فعلية خلال فترات زمنية قصيرة، بخلاف دول أخرى تنفق أكثر لكنها تعتمد على الاستيراد وسلاسل توريد هشة".

أخبار ذات علاقة

 البرلمان الألماني

لحظة دخول زيلينسكي.. تعرض البرلمان الألماني لهجوم سيبراني

تسريع وتيرة التوريد

وأضاف أن التكامل بين القرار السياسي والتخطيط العسكري والصناعة الدفاعية يمثل عنصر قوة ثانٍ.

واعتبر أن تسريع وتيرة التوريد يعكس نضجًا في آليات اتخاذ القرار، واستيعابًا لدروس الحرب الأوكرانية، فقد تبين أن البطء البيروقراطي قد يوازي الضعف العسكري في تأثيره الاستراتيجي.

وأشار إلى أن تصعيد المستشار فريدريش ميرتس بشأن استخدام الأصول الروسية المجمدة يندرج ضمن إعادة تعريف أدوات الردع التي لم تعد عسكرية فقط، بل باتت مالية وقانونية أيضًا، بهدف تجفيف القدرة الاستراتيجية للدولة المعتدية على المدى المتوسط.

وبين أن هذا التوجه يعزز موقع ألمانيا القيادي داخل الناتو والاتحاد الأوروبي عبر الربط بين الأمن العسكري والحوكمة الاقتصادية الدولية، مؤكدًا أن برلين تمتلك قدرة نادرة على توظيف القواعد المالية العالمية كامتداد مباشر لأمنها القومي.

وأكد هشام معتضد أن الجمع بين التصعيد العسكري وإطلاق مبادرات سلام لا يمثل تناقضًا، بل يعكس منطق الردع المتقدم، إذ لا تنجح التسويات السياسية إلا عندما يدرك الخصم أن كلفة الحرب أصبحت أعلى من كلفة التفاوض.

أخبار ذات علاقة

علما أوكرانيا وروسيا على طاولة مباحثات سابقة

بعد حديث ترامب عن السلام.. هل دخلت حرب أوكرانيا "المرحلة الأخيرة"؟

هدنة هشة

وأوضح أن أي مبادرة سلام لا تستند إلى ميزان قوى واضح ستتحول سريعاً إلى هدنة هشة، تُستغل لإعادة التسلح، وهو ما يفسر تركيز ألمانيا على الاستثمار العسكري بوصفه شرطًا سياسيًا لإنجاح أي مسار تفاوضي جاد.

وأشار الباحث الاستراتيجي إلى أن المشتريات الجديدة تركز على الجاهزية والتكامل الشبكي لا على الأعداد فقط، بما يعكس فهماً لطبيعة الحروب المعاصرة القائمة على الربط اللحظي بين أنظمة القيادة والسيطرة والنيران.

وشدد أن ما تشهده ألمانيا لا يمثل عودة إلى العسكرة التقليدية بل بناء نموذج أوروبي للردع الذكي سيترك أثره العميق على منظومة الأمن الأوروبي في العقد المقبل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC