لم تعد الحرب الأوكرانية الروسية حبيسة الجبهات وحدها، بل انتقلت بثقلها الكامل إلى غرف التفاوض، إذ بدا أن اجتماع برلين الأخير لم يكن محطة عابرة، بل لحظة اختبار حقيقية لمدى اقتراب الصراع من نهايته.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوضوح، أن اجتماعات برلين كانت جيدة جدًا، وأكد أنه أجرى محادثات طويلة ومباشرة مع قادة أوروبيين بارزين، إلى جانب مسؤولي حلف شمال الأطلسي، في إطار مسار تفاوضي يهدف إلى إنهاء النزاع.
تزامن إعلان الرئيس الأمريكي مع مؤشرات عملية على الأرض، أبرزها إعلان مبعوثه الخاص إحراز تقدم ملحوظ داخل فرق التفاوض في برلين، ما يعكس انتقال المحادثات من تبادل المواقف إلى بحث آليات تسوية ملموسة.
في المقابل، بدأ الكرملين يتعامل بإيجابية مع تصريحات ترامب، معتبرًا أنها تتقاطع مع الرؤية الروسية للحرب ومآلاتها، خاصة ما يتعلق بمسألة الأراضي.
ويبدو أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملت نبرة مختلفة أكثر ثقة بعد اجتماع برلين، ويبقى السؤال الأهم: هل أصبح السلام بين روسيا وأوكرانيا أقرب فعلًا من أي وقت مضى؟
وأكد الخبراء أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الاقتراب من نهاية الحرب الأوكرانية الروسية تعكس تحولًا سياسيًا ملحوظًا، خاصة بعد اجتماع برلين، لكنها لا تعني بالضرورة حسمًا وشيكًا للصراع.
وأضاف الخبراء أن المؤشرات المطروحة حتى الآن تظل شكلية أكثر منها جوهرية، في ظل غياب توافق حقيقي حول القضايا الأساسية، وعلى رأسها مصير إقليم دونباس، ورفض روسيا أي وجود لقوات أطلسية أو دولية داخل أوكرانيا.
وأشاروا إلى أن أي حديث عن نهاية قريبة للحرب يظل مرتبطًا بحدوث اختراق سياسي فعلي في الملفات الجوهرية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم الزخم الدبلوماسي الأخير.
بداية، قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن ما يُتداول عن تقارب أمريكي أوروبي لوقف الحرب في أوكرانيا، أو الترويج لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام، والحديث عن توافق بنسبة 90%، لا يعني أن الأزمة باتت قريبة من حل دبلوماسي فعلي.
وأشار البني لـ"إرم نيوز" أن موسكو لم تطلع حتى الآن بشكل رسمي على أي صيغة نهائية أو تفاصيل واضحة للخطة المطروحة، معتبرًا أن تصريحات ترامب وحدها لا تعكس بالضرورة قبولًا روسيًا بالخطة المعدلة.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية، أن أي حديث عن تقدم حقيقي يظل سابقًا لأوانه في غياب تواصل مباشر وواضح مع الجانب الروسي.
ولفت إلى أن إقليم دونباس يمثل قضية جوهرية بالنسبة لروسيا، ولا يمكن التراجع عنه باعتباره، من وجهة نظر موسكو، أراضي روسية.
ولفت إلى أنه كلما تأخر الأوروبيون والأوكرانيون في اتخاذ قرارات حاسمة، فرضت روسيا شروطًا أكثر صرامة، وقد تتراجع عن أي مرونة سابقة، بما في ذلك رفضها التنازل عن زابوروجيا وخيرسون.
وأكد أن المناطق الأربع في شرق أوكرانيا أصبحت، وفق الدستور الروسي والاستفتاءات التي أجريت فيها، أراضي روسية، ما يجعل أي تراجع عنها غير مطروح، مشددًا على أن على كييف اتخاذ قرار سريع إذا كانت تسعى إلى سلام شامل ودائم.
وأضاف أن روسيا ترفض بشكل قاطع نشر أي قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي داخل الأراضي الأوكرانية، كما ترفض وجود أي قوات دولية أو أوروبية من أي جهة كانت.
وتابع بسام البني، أن الشرط الأساسي من المنظور الروسي هو حياد أوكرانيا، مشيرًا إلى أن أي تنازل عن دونباس يتطلب قرارًا برلمانيًا رسميًا، وليس قرارًا فرديًا من الرئيس الأوكراني.
وقال إن استمرار المماطلة ورفض التنازلات يصب في مصلحة موسكو، في ظل التقدم الميداني المتسارع للقوات الروسية وتراجع أداء الجيش الأوكراني، معتبرًا أن أي حل لا يعالج جذور الأزمة لن يؤدي إلى سلام دائم، بل إلى تأجيل الصراع فقط.
من جانبه، قال د. حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، إن آفاق التوصل إلى حل للأزمة الروسية الأوكرانية لا تزال مسدودة، رغم ما تشهده المحادثات من بعض التقدم على الأرض، لا سيما في الاجتماعات التي عُقدت في برلين بشأن آليات المراقبة.
وأشار في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز» إلى أن المباحثات تناولت أيضًا فكرة وجود قوات دولية لتخفيف حدة النزاع، إلى جانب الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف، معتبرًا أن هذه الطروحات تعكس رغبة شكلية في تهدئة التصعيد، لكنها لا تمس جوهر الأزمة الحقيقي.
ولفت إلى أن النقطة المحورية التي لم يُحسم الخلاف بشأنها حتى الآن تتمثل في مسألة تخلي أوكرانيا عن إقليم دونباس، مؤكدًا أن هذا الخيار غير مطروح من الجانب الأوكراني، الذي يتعامل مع الإقليم باعتباره خطًا أحمر لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف.
وأضاف أن هذا الخلاف الجوهري من شأنه تعطيل أي تقدم سياسي، مرجحًا تعثر الجهود عند هذه النقطة، رغم إحراز تقدم نسبي في بعض الملفات الفنية.
ولفت إلى أن المخاوف الأوروبية تمثل عاملًا إضافيًا في تعقيد المشهد، إذ تخشى بعض الدول من تمدد النفوذ الروسي نحو الدول المجاورة لبيلاروسيا، وعلى رأسها بولندا، إلى جانب قلق متزايد من احتمالات تصعيد مستقبلي قد يصل إلى صدام مباشر بين روسيا وألمانيا.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن استمرار هذه المخاوف، مع عمق التباينات في المواقف، يجعل فرص التوصل إلى تسوية شاملة في الوقت الراهن محدودة، ما لم يحدث اختراق حقيقي في القضايا الجوهرية محل الخلاف.