قال مسؤول أمريكي، إن قمة شنغهاي، التي شهدت احتشاد أكثر من 20 زعيما دوليا، أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جي بينغ والهندي نارندرا مودي، أثارت انزعاج إدارة الرئيس ترامب.
وأضاف المسؤول المقرب من إدارة الرئيس الأمريكي في حديث لـ"إرم نيوز" أن الرئيس الصيني شي جي بينغ وجد في المناسبة فرصة لإظهار أن بكين جاهزة لقيادة العالم بعيدا عن "التنمر الأمريكي" والاستعلاء على الشركاء الاقتصاديين.
وتجد واشنطن في قمة منظمة شنغهاي العالمية التي تحتضنها مدينة تيانجين الصينية نموذجا للمساعي الصينية السرية والعلنية من أجل تقويض النفوذ الأمريكي في جهات العالم المختلفة.
من جهته، يقول عضو قيادي في الحزب الديمقراطي بالعاصمة واشنطن لـ"إرم نيوز" إن الديمقراطيين لطالما حذروا الرئيس دونالد ترامب من تفكيك التحالفات التقليدية للولايات المتحدة في ظل المنافسة القائمة مع الصين وروسيا في الجانب الآخر من العالم.
غضب الديمقراطيين ليس مرتبطا فقط بالصورة التي ظهر بها التحالف الجديد بين العواصم الثلاث المؤثرة في الجانب الآخر من العالم، بكين ونيودلهي وموسكو، وإنما أيضا بتلك "الجرأة" التي باتت الصين تتحرك من خلالها في مشهد الدبلوماسية العالمية من خلال "منظمة شنغهاي للتعاون" التي تضم عشرين دولة وبعضها حليف للولايات المتحدة، إضافة إلى غريميها التقليديين في موسكو وبكين.
الغاضبون يقولون إن السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية الحالية خلال الثمانية شهور الماضية ألقت بالكثير من الشكوك حول جدية التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين والتاريخيين وجعلتها عاجزة عن استقطاب دول جديدة إلى خريطة تحالفاتها الدولية.
لم يكن الديمقراطيون والصقور الجمهوريون سعداء بالطريقة التي خسرت بها الإدارة الحالية رصيد الثقة التقليدي القائم بين واشنطن وحلفاء الضفة الأخرى من الأطلسي، بسبب سياسات ترامب في أوكرانيا واستعداده لتقديم يد المساعدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتحقيق مكاسب جديدة في معركته الدبلوماسية الموازية للحرب في أوكرانيا.
وفي مقابل ذلك، كان واضحا أن الحلفاء الغربيين باتوا يشككون علنا في مدى التزام الولايات المتحدة بحمايتهم الأمنية في وجه المطامع القارية الروسية، وبات القادة الغربيون يعيدون النظر بصورة فردية وجماعية في سياساتهم الأمنية وإنفاقهم الدفاعي على خلفية الشك في التزام إدارة ترامب بالدفاع عنهم في حال تم استهداف الأمن القومي لهم كدول منفردة أو كمجموعة غربية.
ويقول مقربون من الإدارة الأمريكية إن مسألة الرسوم الجمركية لم تكن تجد الاتفاق الكامل بين أعضاء الإدارة، وذلك بسبب الخوف من تبعاتها السياسية، ولكن الرئيس ترامب اختار أن ينحاز إلى وجهات نظر مستشاره الاقتصادي بيتر نافارو، مهندس مشروع الرسوم.
واعتبر ترامب أن المكاسب الاقتصادية سوف تفوق الخسارات السياسية وأن أي اضطرابات سياسية سوف تكون مرحلية؛ لأن الدول جميعها سوف تعود مجبرة للتفاوض مع واشنطن في نهاية المطاف.
الخلاف داخل الإدارة الأمريكية لم يكن وليد اللحظة، بل يعود إلى فترة وجود الملياردير إيلون ماسك في البيت الأبيض، الذي كان أكثر الأصوات معارضة لتوجه الرئيس ترامب الاقتصادي لقناعته أن هذه السياسة ستكون لها انعكاسات سيئة في الداخل والخارج.
ويتمثل ذلك في تخفيض القدرة الشرائية للأمريكيين وخسارة مزيد من الحلفاء في جهات العالم المختلفة، ومنهم حلفاء تاريخيون للولايات المتحدة، كما هو الوضع مع الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، في مقابل أنه يفتح الباب على مصراعيه لعملية الاستقطاب التي تخوضها بكين على مدار الساعة وفي مختلف قارات العالم.
الرئيس الصيني أظهر جرأة غير مسبوقة، بحسب المتحدثين لـ"إرم نيوز"، من خلال الدعوة إلى نظام دولي جديد ونظام أمني بديل عن ذلك الذي تقوده واشنطن مع الاستعراض لقوة المجموعة الدولية الموازية التي تقودها الصين في المرحلة الحالية وحجمها الكبير والمؤثر في الاقتصاد العالمي.
وذكر المتحدثون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرص بدوره على أن يظهر بأنه يمثل القوة البديلة في النظام الجديد الذي يدعو إليه مع الصينيين، وذلك من خلال تقديم صورته للعالم في القمة الأخيرة في ألاسكا على أنه رجل سلام وأن المجموعة الغربية هي من تسعى إلى الاستمرار في الحرب وأن موقفه يحظى بتأييد ودعم الرئيس الأمريكي على حساب الخصوم الغربيين وذلك باستقباله على السجاد الأحمر على الأراضي الأمريكية.
الأكثر من ذلك أن بوتين، ومن خلال ظهوره في شنغهاي، أراد أن يعزز صورة القائد العائد إلى المسرح الدولي بعد سنوات من العزلة الدولية الكاملة بسبب الحرب في أوكرانيا، ولكنها عودة مختلفة تماما هذه المرة؛ لأنه يحقق أفضل صورة انتقام من منظومة الأطلسي الأمنية التي وقفت في وجهه في أوكرانيا، ولكنه الآن يريد أن يقدم نظاما بديلا بالكامل عن النظام الغربي المتهم بالهيمنة على العالم والحد من سعي شعوب بقية العالم إلى استقلالية القرار السياسي وسيادة الخيارات الاقتصادية.
أما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي فالقصة معه أعقد بكثير من القصتين الصينية والروسية، ذلك لأن الزعيم الهندي حليف سابق للرئيس ترامب قبل أن تنقلب الأدوار بصورة درامية خلال الأسابيع الأخيرة على خلفية خلافات شخصية وأخرى سياسية بين الرجلين.
وهناك خلافات أخرى أكثر عمقا تتعلق بتغيير ترامب موقفه من نيودلهي وتخييرها بين أن تكون حليفة لإدارته وتبعد نفسها ومصالحها عن المحور الإيراني الروسي أو تواجه أسوأ سلسلة من الرسوم المضاعفة في حقها ومن خلال سلسلة قرارات متتالية.
ومن وجهة نظر الصقور الجمهوريين، فإن إدارة العلاقات الاستراتيجية من خلال ردات الفعل والتقديرات اللحظية الظرفية تجعل من مصالح الولايات المتحدة عرضة للتقلبات والعواصف الدائمة.
المقربون من إدارة ترامب يقولون إن البيت الأبيض قلص كثيرا من دور وزارة الخارجية عندما استأثر بإدارة ملف السياسة الخارجية بالكامل من خلال مجلس الأمن القومي عوضا عن الكفاءات الدبلوماسية الكبيرة الموجودة في مبنى الخارجية، وهو الأمر الذي جعل الشعور داخل المبنى يتعاظم بأن هناك تهميشا مقصودا لدورهم ورؤيتهم لإدارة السياسات الأمريكية في الخارج.
ويوضح المقربون أن هذا الشعور في مبنى الخارجية عزز أكثر توجه إدارة ترامب إلى الاستغناء عن أكبر عدد من الدبلوماسيين في تاريخ الوزارة والاستغناء عن مؤسسات دبلوماسية بكاملها عاملة في الخارج في صورة سفارات وقنصليات، ما أظهر البيت الأبيض وكأنه لا يريد الوزارة أن تمارس أدوارها التقليدية في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية.
الأسوأ من ذلك، بحسب المتحدثين، أن استغناء الإدارة الحالية عن أذرع الولايات المتحدة التاريخية الناعمة في جهات العالم المختلفة، ومنها خاصة "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، جعل الولايات المتحدة تفقد الكثير من الأصدقاء وقوة التأثير في جهات العالم المختلفة.
كما جعل التحالف مع الولايات المتحدة دبلوماسيا وأمنيا يظهر وكأنه تحالف معرض لخطر الزوال في أي لحظة وأفقد الكثير من الشركاء عنصر الثقة في أي سياسات أمريكية في الخارج.