تطرح دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ من قمة شنغهاي، إلى نظام عالمي جديد "يقوم على العدالة"، تساؤلا بشأن موقع قارة أفريقيا من فرص التحول في خارطة بروز أي منظومة دولية جديدة بعيداً عن القوى الغربية الكبرى المهيمنة.
وبحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، فضلاً عن نحو عشرين من زعماء أوراسيا، دافع شي جين بينغ عن التعددية الشاملة التي تجسدها "روح شنغهاي"، وهي الرسالة التي تابعتها من كثب الدول الإفريقية، الشركاء الاستراتيجيون للقوى الأعضاء في هذه المنظمة.
وقال إن منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم عشر دول وتمثل ما يقرب من نصف سكان العالم، تشكل ثقلاً موازناً موثوقاً للمواجهات بين الكتل، ونموذجاً بديلاً للمؤسسات التي يهيمن عليها الغرب.
وبالنسبة لأفريقيا، التي تُعزز علاقاتها مع الصين وروسيا والهند، يُتيح هذا التحوّل الدبلوماسي فرصاً جديدة لها حسبما يروّجه أعضاء شنغهاي، إذ تمتلك دول المنظمة احتياطيات هائلة من الطاقة، وتُزيد استثماراتها في البنية التحتية والتكنولوجيا، وهي مجالاتٌ تُعدّ احتياجات القارة فيها كبيرة.
وتُغري منظمة شنغهاي للتعاون، إفريقيا بمبادئها القائمة على "نهج عدم التدخل، والسيادة، والتعاون العملي"، وذلك لجذبها عبر شراكات متوازنة تحترم أولوياتها الوطنية.
وتقدم نماذج يمكن استنساخها مع القارة السمراء للتعاون على غرار برامج إعادة التشجير عبر الحدود ومكافحة التصحر مثل المشروع الصيني الكازاخستاني في منطقة شينجيانغ القاحلة. وفي هذا الصدد، تقول إن إفريقيا يمكن لها تعزيز مبادرة "السور الأخضر العظيم" من خلال إنشاء ممرات بيئية إقليمية.
ولتعزيز تكاملها الإقليمي وتقليل اعتمادها على الطرق الغربية، أنشأت منظمة شنغهاي للتعاون عدة ممرات اقتصادية ومنصات جمركية متكاملة. وتشمل ممرات متعددة الوسائط (الصين-كازاخستان-روسيا)، مع مراكز لوجستية ومناطق حرة، واستنادًا إلى هذا النموذج، تتطلع الهيئة لتسريع إنشاء نوافذ إقليمية موحدة عبر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، مترابطة عبر منصات رقمية، لتقليل أوقات وتكاليف العبور.
لكن الشراكة المربحة للجانبين التي يعلن عنها في المؤتمرات والقمم الدولية مع إفريقيا لم تكن متوازنة، لأن المعرفة تبقى في أيدي القوى الكبرى ولا يتم نقلها إلى إفريقيا وسكانها.
وإذا ما تمت العودة إلى القروض الصينية الممنوحة لحكومات إفريقية فجُلها أوقعتها في شباك "فقاعة الديون"، بعدما تعهّدت بكين بتقديم 50 مليار دولار أمريكي دعمًا لإفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، نصفها على شكل قروض.
وجاء هذا الإعلان أمام نحو خمسين من القادة الأفارقة المجتمعين في منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك) لعام 2024.
وبحسب وكالة التعاون الدولي الصينية، فإن الصين، أكبر شريك تجاري لإفريقيا، قامت بتجارة بقيمة 167.8 مليار دولار مع القارة في النصف الأول من عام 2024.
أما بالنسبة للالتزامات الاقتصادية الروسية في إفريقيا، فهي قائمة بالأساس على التجارة، ووفقاً لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، فإن هذه التجارة متواضعة أيضاً، إذ لا تتجاوز 14 مليار دولار.
وبالمقارنة، تبلغ قيمة التجارة الإفريقية مع الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة 295 مليار دولار، و254 مليار دولار، و65 مليار دولار على التوالي.
كما تُعنى الولايات المتحدة بالاقتصاد والصحة والأمن والتنمية في إفريقيا، وقد أسهمت برامج مثل قانون النمو والفرص الاقتصادية في إفريقيا (أغوا) في زيادة حجم التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في الاستثمارات والصادرات من كلا الجانبين.
ووفقًا لأرقام قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا)، بلغت صادرات إفريقيا إلى الولايات المتحدة 8 مليارات دولار أمريكي في عام 2024، لكنها انخفضت عن العام السابق.
واستكمالاً لفصول التنافس على القارة، أعلن اتحاد الصناعات الهندية، بلوغ استثمارات الهند في أفريقيا 70 مليار دولار، وهو رقم تهدف إلى زيادته إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2030.
وعلى ضوء الوعود الاستثمارية التي تقدم لصالح الدول الإفريقية التي تجتمع في كثير من الأحيان حول طاولة تحددها هذه القوى الكبرى، يتساءل مراقبون كيف يمكن لقارة تُكافح لبناء مجتمع واقتصاد حديثين، فيما الاتحاد الإفريقي يتلقى تمويلاً بأكثر من 80 % من الاتحاد الأوروبي.