مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
رغم الإقرار بأن تفاصيل حاسمة متعلقة بـ"معضلة الدونباس" و بأمن أوكرانيا في المستقبل لا تزال غير محسومة، خرجت التصريحات المتفائلة من برلين حيث تُعقد منذ يومين محادثات "متقدمة" لوقف الحرب، مؤكدة التوافق على "حل" 90% من القضايا الإشكالية بين كييف وموسكو.
وكان تصريح المستشار الألماني فريدريش ميرتس، في مؤتمر صحفي يوم الاثنين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مؤشراً على درجة التفاؤل العالية، بقوله "لقد شهدنا زخماً دبلوماسياً كبيراً، ربما الأكبر منذ بدء الحرب.لدينا الآن فرصة لعملية سلام حقيقية لأوكرانيا".
وبينما ذهبت التقديرات الألمانية "المتفائلة" إلى حد التبشير بإمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار بحلول 25 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلا أن تقارير غربية أكدت أن هناك الكثير من "أسباب الحذر"، خصوصاً فيما يتعلق بإقليم دونباس الذي يشكل عقدة الصراع المستعصية.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول أمريكي أن المحادثات بشأن خطة السلام في أوكرانيا توصلت إلى "توافق حول عدد من القضايا الحاسمة"، مشيراً إلى أن المفاوضين أعدوا مسودة من 3 صفحات تتناول القضايا الأساسية بتوافق وإجماع في الرأي "على نحو 90% من هذه القضايا".
كما ذكر المسؤول الذي وُصف بأنه على اطلاع كبير على المحادثات بأنّ مسودة الاتفاق تتضمن توفير "ضمانات قوية للغاية" على غرار المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولم تُعلن تفاصيل الضمانات الأمنية التي تم التوصّل إليها بين زيلينسكي، وستيف ويتكوف، مبعوث السلام الأمريكي، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على مدار يومين من الاجتماعات في برلين.
لكن تقريراً لصحيفة "التلغراف" البريطانية نقل عن مصادر أمريكية أن العرض كان "أكبر انتصار حتى الآن لأوكرانيا ولأوروبا" في محادثات السلام التي تركت العلاقات عبر الأطلسي في بعض الأحيان في أدنى مستوياتها.
وقال مسؤول أمريكي: "إن أساس هذا الاتفاق هو وجود ضمانات قوية للغاية - مثل المادة 5 - إضافة إلى ردع قوي للغاية، وحجم الجيش، والأسلحة".
كما أشار المسؤول الكبير إلى أن تلك الضمانات ستتطلّب موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو مطلب رئيسي لكييف، لضمان عدم إلغاء تعهداتها من قبل رئيس أمريكي مستقبلي.
وبموازاة هذا التقدّم، كان ترامب يمارس ضغوطاً كبيرة على زيلينسكي، بحسب ما كشفت "التليغراف" أيضاً، إذ تم إبلاغ الرئيس الأوكراني بضرورة قبول عرض واشنطن "البلاتيني" للضمانات الأمنية وإلا ستُخاطر بفقدانها بالكامل.
كما أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الرسالة الأمريكية التي وصلت إلى زيلينسكي في برلين أن "هذه الضمانات لن تبقى مطروحة إلى الأبد "، في إنذار نهائي واضح للموافقة على الشروط.
ووصفت المصادر الأمريكية الضمانات الأمنية بأنها "ممتازة"، وقالت إن كلاً من أوكرانيا وأوروبا كانتا راضيتين عن المدى الذي وصل إليه دونالد ترامب في المقترحات لمنع أي "هجوم" روسي مستقبلي.
وقدمت كييف ردها الرسمي على المقترح الأمريكي، وركّزت على 3 مسارات، اتفاق سلام إطاري، وضمانات أمنية واضحة، وخطة إعادة إعمار، ورفضت صراحة فكرة المنطقة الاقتصادية الحرة في دونباس.
في المقابل، لا يزال الكرملين يتعامل مع المبادرة الأمريكية بحذر محسوب، خاصة وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى استعداداً نظرياً للنقاش، واعتبر الخطة أساساً محتملاً، مشدداً في المقابل على وجود نقاط غير مقبولة.
ورغم الحراك الدبلوماسي الكثيف، تعترف دوائر أمريكية وغربية بأن المفاوضات لا تزال هشة، وأن فرص الاختراق الفعلي محدودة في المدى المنظور، ومعها يبقى السؤال، متى تتحول الضغوط الأمريكية من إدارة الأزمة إلى فرض حل؟
ورأى خبراء أن فرص التوصل إلى صفقة سلام بين روسيا وأوكرانيا خلال الفترة القريبة تبدو ضعيفة، في ظل مفاوضات معقدة ومسارات متشابكة وبيئة توصف بأنها سامة، خاصة وأن الخلافات العميقة داخل أوروبا ومع القيادة الأوكرانية تعرقل أي توافق حقيقي، رغم أن احتمالات النجاح لا تُعد صفرًا بالكامل.
وأضافوا لـ"إرم نيوز"، أن الموقف الأمريكي يظل العامل الأكثر تأثيرًا، خاصة مع حديث عن حضور مشروط وخطط سلام تفتقر إلى الوضوح والشرعية القانونية، سواء على المستوى الدولي أو وفق التشريعات الأمريكية، لافتين إلى أن بعض المقترحات المطروحة تتضمن تنازلات إقليمية لا تبدو قابلة للتنفيذ عمليًا.
قال سيرغي ماركوف، المستشار السابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن غالبية الخبراء الذين يتواصل معهم، وبنسبة تقارب 90%، يرون أن إتمام أي صفقة بين روسيا وأوكرانيا خلال هذا العام، وحتى مع بداية العام المقبل، يبقى أمرًا مستحيلاً في ظل المعطيات الحالية.
وأشار لـ"إرم نيوز"، إلى أن هذا التقدير يرتبط بالمواقف المتباينة لكل من أوروبا وقيادة أوكرانيا، والتي لا تزال بعيدة كثيرًا عن أي صيغة توافق حقيقية بشأن هذا الملف.
وكشف ماركوف أن أحدًا في الوقت نفسه لا يعتبر فرص نجاح الصفقة صفرًا، لافتًا إلى أن هذا التناقض يعكس الطبيعة المعقدة للمفاوضات، التي تتناول عددًا كبيرًا من النقاط المختلفة، وتُدار حاليًا في بيئة سامة، مع وجود نسخ متعددة من المسارات التفاوضية نفسها، ما يجعل التوصل إلى اتفاق مهمة شديدة الصعوبة.
ورجح وجود اتفاق يتعلق بانسحاب أوكرانيا من الدونباس، موضحًا أن تفاصيل عديدة ظهرت إلى العلن خلال الفترة الأخيرة، خاصة وأن هناك مطالبه العلنية من دونالد ترامب كانت تهدف إلى التوصل لاتفاق يقلل الأخطاء المرتبطة بمخاطر توسع الصراع نحو حرب عالمية ثالثة.
وأكد ماركوف أن الضمان الحقيقي لعدم اندلاع حرب أوسع يظل هو القضية الأهم، موضحًا أن المطالب الروسية تشمل تغيير النظام الأوكراني من نظام يصفه بـ"النازي" إلى نظام أكثر ديمقراطية، إلى جانب اعتراف الدول الغربية وأوكرانيا بشكل أو بآخر، بالسيطرة الروسية على جميع المناطق الواقعة شرق أوكرانيا.
من جانبه، قال إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إن العالم بات يتوقع اتفاق سلام بشأن أوكرانيا، إلا أن هذه المحادثات لا تزال أقرب إلى الطرح النظري منها إلى التطبيق العملي، في ظل تساؤلات واسعة حول شرعية المقترح المقدم من الولايات المتحدة، خاصة مع غياب أي وضوح بشأن الجهة التي صاغته.
وكشف يواس لـ"إرم نيوز"، أن خطة السلام التي تروج لها الولايات المتحدة عبر دونالد ترامب تتضمن اعتراف واشنطن ببعض الأراضي الأوكرانية كأراضٍ روسية، بما فيها شبه جزيرة القرم، رغم أن ترامب وقع العام 2017 قانونًا يمنع الولايات المتحدة من الاعتراف بأي جزء من أوكرانيا كجزء من روسيا.
وبيّن يواس أن ترامب سيواصل الحديث عن هذه الخطة قبل أن تخضع لتقييم من وزارة العدل الأمريكية، التي قد تؤكد له عدم قانونيتها سواء على المستوى الدولي أو المحلي، مشيرًا إلى أن الخيار الأكثر واقعية هو تجاهل هذه الخطة بالكامل، لأن تنفيذها يبدو مستحيلاً عمليًا.
وذكر أن روسيا تسعى للفوز في الحرب، وأن بعض بنود الخطة قد تبدو جذابة لها، لكنها لا توفر لها فرصة حقيقية لتحقيق نصر كامل، خاصة وأن التاريخ الروسي والسوفيتي يُظهر أن نهاية الحروب غالبًا ما ترتبط بمشكلات داخلية واضطرابات، ما يجعل موسكو غير مستعدة للتوقف عن القتال في المرحلة الحالية.
ولفت يواس، استنادًا إلى تقارير "South China Morning Post" في هونغ كونغ، إلى أن الصين لا تعمل على وقف الحرب في أوكرانيا، بل تسعى إلى تعطيل أي فرصة لتنفيذ خطة سلام، مؤكدًا أن بكين ترى أن أنظار العالم مركزة على الحرب لا عليها.