منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باللوم مرارًا على توسع حلف شمال الأطلسي وسلفه جو بايدن في حرب أوكرانيا.
لكن بعد أكثر من ثلاث سنوات من الصراع، بدأت رواية جديدة تتبلور في الولايات المتحدة، تلقي جزءًا كبيرًا من المسؤولية على الهند، وتتهم نيودلهي بدعم حرب بوتين عبر تجارة النفط مع موسكو، وفق صحيفة "يوراسيان تايمز".
وفق هذا السرد، تُموّل تجارة النفط الهندية حرب روسيا في أوكرانيا، وتسمح لموسكو بالاستمرار اقتصاديًا وعسكريًا رغم العقوبات الغربية. وفي غضون أسابيع، نجحت هذه الرواية في تحويل التركيز من الصين – أكبر شريك تجاري لروسيا وأكبر مشترٍ للنفط الروسي – إلى الهند، الأمر الذي يوضح قدرة شخصيات حكومية على توجيه التصورات العامة عبر الرسائل الإعلامية المستمرة، حتى لو كانت انتقائية ومتحيزة.
بعد وصفه الحرب بأنها "حرب مودي"، زعم مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو أن "الطريق إلى السلام في أوكرانيا يمر عبر نيودلهي"، وبرر فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على الهند، لترتفع مع الرسوم السابقة إلى 50%، لتصبح الهند، إلى جانب البرازيل وليسوتو، من بين الدول الأعلى تعريفة جمركية في الولايات المتحدة.
لكن هذه الرسوم لن تعطل الشراكة الاستراتيجية مع الهند فحسب، بل قد تدفعها إلى الاقتراب أكثر من روسيا والصين، في الوقت الذي تقدر فيه نيودلهي استقلاليتها الاستراتيجية وعلاقاتها التاريخية مع موسكو.
زعم نافارو في مقابلة مع "بلومبرغ"، أن مشتريات الهند من النفط الروسي بأسعار مخفضة "تغذي آلة الحرب الروسية"، مما يجبر دافعي الضرائب الأمريكيين على تمويل الصراع.
وأضاف: "الجميع في أمريكا يخسرون بسبب ما تفعله الهند… المستهلكون والشركات والعمال… ودافعو الضرائب، لأننا مضطرون لتمويل حرب مودي".
وأشار نافارو أيضًا إلى العجز التجاري للولايات المتحدة مع الهند، الذي بلغ نحو 46 مليار دولار، مقارنة بعجزها مع الصين الذي يصل إلى 295 مليار دولار، أي أكثر من ستة أضعاف.
ومع ذلك، تركز واشنطن على الهند بينما تمنح الصين مهلة طويلة رغم أنها أكبر مستورد للنفط والفحم الروسي، وهو ما أثار انتقادات من المرشحة الرئاسية السابقة نيكي هيلي.
تستفيد الصين من اعتماد الولايات المتحدة الكبير على المعادن الحيوية النادرة لإنتاج الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمركبات الدفاعية، وتسيطر على 90% من إنتاج مغناطيسات الأرض النادرة.
كما فرض ترامب رسومًا جمركية مرتفعة على الصين، لكنها ردت بالتحكم في صادرات المعادن الحيوية، مما تسبب في تأخيرات كبيرة في إنتاج المعدات الدفاعية، وارتفاع التكاليف بشكل هائل، مثل توريد الساماريوم الضروري لصنع محركات الطائرات المقاتلة بسعر أعلى 60 مرة من السعر القياسي.
خفضت القيود الصينية على المواد مثل الجرمانيوم والغاليوم والأنتيمون، المستخدمة في تعزيز الذخائر وتقنيات الرؤية الليلية، الإنتاج لدى مصنعي الأسلحة الأمريكيين، وأدت إلى اعتماد شركات الدفاع على المخزونات الآمنة لفترة طويلة، في حين تتطلب محاولة تقليل الاعتماد سنوات طويلة قبل أن تؤتي ثمارها.
تتجاهل الرسوم الجمركية الأمريكية على الهند واقعًا استراتيجيًا مهمًا، وهو أن أكثر من 50% من المعدات العسكرية الهندية روسية المنشأ، بما في ذلك طائرات سو-30 إم كي آي وصاروخ كروز براهموس والدبابات والمروحيات والغواصات.
كما سيعرض قطع العلاقات الدفاعية مع روسيا الأمن القومي الهندي للخطر، ويقوّض قدرات القوات المسلحة.
إضافة إلى ذلك، فإن الرسوم الجمركية تقرب نيودلهي أكثر من روسيا والصين، وتجعلها أقل عداوة تجاه الغرب مقارنة بالعضو الآخر في مجموعة البريكس، ما يقوض جهود الولايات المتحدة في احتواء الصين ومنع نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
إذا كانت هناك دولة حققت أكبر مكاسب من حرب أوكرانيا، فهي الولايات المتحدة، حيث حجزت شركات الدفاع الأمريكية وحدها أكثر من 60 مليار دولار من الطلبات الجديدة بين 2022 و2024، مع زيادة مبيعات صواريخ جافلين وهيمارس، وتأخرات أنظمة باتريوت، وارتفاع عائدات الذخائر من نورثروب جرومان بنسبة 30%.
كما شاركت شركات عسكرية خاصة مثل كونستيليس وأكاديمي وتريبل كانوبي في التدريب والخدمات اللوجستية لدعم العمليات، مما حوّل ساحة المعركة إلى مركز ربح كبير، بينما أعلنت أوكرانيا مؤخرًا أنها ستحصل على أسلحة أمريكية بقيمة 90 مليار دولار، تدفع ثمنها الدول الأوروبية.
وتشير التقارير إلى أن الهند ليست أكبر شريك تجاري لروسيا ولا يمثل شراء النفط من موسكو تهديدًا كبيرًا لجهود الحرب الروسية.
لكن الرسوم الجمركية الأمريكية والتصريحات الانتقائية، بدلًا من الضغط على موسكو، قد تنفر نيودلهي وتضر بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية طويلة الأجل، بما في ذلك احتواء الصين وتحقيق الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
باختصار، "حرب مودي" ليست سوى عنوان مثير لإخفاء أبعاد أكبر، تتعلق بالسياسة الاستراتيجية الأميركية، المصالح الدفاعية والاقتصادية، والصراع العالمي على النفوذ في آسيا.