أثار الاتفاق المبرم بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، جدلًا واسعًا، إذ يرى كثيرون أن الكفة تميل بشكل واضح لصالح واشنطن.
وبحسب مجلة "بوليتيكو"، فإن معظم صادرات الاتحاد الأوروبي ستخضع لتعرفة جمركية أمريكية تصل إلى 15%، في حين تلتزم أوروبا بشراء طاقة أمريكية بمئات المليارات من الدولارات.
ورغم ذلك، تمكنت بعض القطاعات الأوروبية، مثل صناعة السيارات والطيران وأشباه الموصلات، من تفادي أسوأ السيناريوهات.
في تقرير وصف الاتفاق بأنه "غير متكافئ"، استعرضت المجلة أبرز الخاسرين والرابحين في كل قطاع.
اتفق ترامب وفون دير لاين على أن يشتري الاتحاد الأوروبي طاقة من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار، تشمل النفط، الغاز الطبيعي المسال، ومنتجات طاقة أخرى مثل الوقود النووي.
نظريًا، يُعد هذا انتصارًا كبيرًا لشركات النفط والغاز الأمريكية؛ لكن عمليًا، يرى خبراء أن تنفيذ هذا الالتزام صعب التحقق.
تم تخفيض الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات وقطع الغيار إلى النسبة الأساسية البالغة 15%، بينما وافق الاتحاد الأوروبي على خفض رسومه الجمركية على السيارات من 10% إلى 0%، وفقًا لأولوف جيل، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية للشؤون التجارية.
وبحسب الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، يُعد هذا الاتفاق ضارًا بالقطاع، ويتوقع فرديناند دودنهوفر، مدير مركز أبحاث السيارات في ألمانيا، أن يؤدي إلى تسريح ما يصل إلى 70 ألف موظف، بسبب نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة.
اتفق الطرفان على إلغاء جميع الرسوم الجمركية على الطائرات وقطع الغيار، ما مثل انفراجة لشركات الطيران بعد نزاع استمر 17 عامًا بين "إيرباص" و"بوينغ".
ورغم أن "بوينغ" كانت ستستفيد على المدى القصير من فرض رسوم على منافستها، فإن الرد الأوروبي كان سيضر بها أكثر.
كما أن شركات أمريكية تعتمد على طائرات "إيرباص" مثل "دلتا" و"سبيريت" كانت ستتأثر سلبًا؛ في المقابل، فإن شركات تأجير الطائرات قد تتضرر من إلغاء الرسوم.
قال ترامب إنّ الأدوية "ليست مشمولة" في الاتفاق، بينما صرحت فون دير لاين بعكس ذلك؛ لاحقًا، أوضح مسؤولون أوروبيون أن الرسوم الجمركية لا تزال صفرية حاليًا، لكن من الممكن فرض نسبة 15% لاحقًا.
تم الاتفاق على إعفاء بعض الأدوية الجنيسة (التي تحتوي على نفس المادة الفعالة للأصلية)، لكن القائمة لم تُحدد بعد؛ وتُعد شركات الأدوية الجنيسة الأكثر تضررًا بسبب هامش الربح المحدود.
في المقابل، رحبت شركة "ميرك" بالاتفاق، بينما وصفته مجموعة "آيبك" الإيرلندية بأنه "استسلام أوروبي".
تم إعفاء قطاع أشباه الموصلات بالكامل من الرسوم الجمركية؛ وأكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيظل "مشتريًا رئيسًا" للرقائق الأمريكية المتقدمة المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
يُعد الاتفاق انتصارًا لشركة "ASML" الهولندية، الرائدة عالميًا في معدات تصنيع الرقائق، والتي ارتفعت أسهمها بنسبة 4% بعد الإعلان عن الاتفاق.
ومع ذلك، فإن التزام أوروبا بشراء رقائق أمريكية يعمّق اعتمادها على واشنطن، ما يُعد انتكاسة لمشروع السيادة الرقمية الأوروبي.
لم يتضمن الاتفاق أي بنود تتعلق بالسياسات الرقمية أو ضرائب الخدمات الرقمية، رغم الضغوط الأمريكية المتكررة؛ وبالتالي، احتفظ الاتحاد الأوروبي باستقلاله التنظيمي الكامل.
بقيت تشريعات مثل "قانون الأسواق الرقمية" و"قانون الخدمات الرقمية" سارية دون تعديل، ما يُعد انتصارًا لأوروبا، نظرًا لتأثيرها الكبير على شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا" و"أبل".
أشار ترامب إلى أن الأوروبيين سيشترون كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية، لكن مسؤولين أوروبيين نفوا ذلك، مؤكدين أن الاتفاق لا يتضمن أي صفقات تسليحية.
لم تحقق الصناعات الدفاعية الأمريكية مكاسب رسمية حتى الآن، لكنها قد تستفيد لاحقًا من زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، في المقابل، تخشى بعض الشركات الأوروبية تراجع حصتها السوقية.
عاد الطرفان إلى نظام الحصص، مع احتمال الإبقاء على رسوم جمركية بنسبة 50%. ولم يتم بعد تحديد الحصص المسموح بها.
واتفق الجانبان على التعاون لمواجهة الإغراق الصيني؛ وبحسب بوليتيكو، قد تكون بكين الخاسر الأكبر في حال فرض "جدار فولاذي" اقتصادي بين أوروبا وأمريكا.
ذكرت فون دير لاين أن بعض المنتجات الزراعية الأمريكية ستحصل على إعفاءات جمركية، دون أن تحددها.
من المبكر تحديد الرابحين والخاسرين في هذا القطاع، لكن من المرجح أن تستفيد المنتجات الأمريكية الأقل إثارة للجدل، مثل فول الصويا والذرة.
تعهدت الشركات الأوروبية باستثمار 600 مليار دولار إضافية في الاقتصاد الأمريكي؛ ومع ذلك، لا تمتلك المفوضية الأوروبية صلاحيات تنفيذية لإجبار الشركات على الاستثمار، بل تعتمد على التزامات طوعية من القطاع الخاص.
وقد يحقق الاقتصاد الأمريكي مكاسب كبيرة من هذه الاستثمارات، لكن المخاوف تكمن في أن تأتي على حساب الاستثمارات داخل الاتحاد الأوروبي، ما قد يضعف النمو ويوسّع فجوة الوظائف في بعض الدول الأوروبية.