أطلق الصراع على النفوذ تنافسًا جديدًا بين روسيا والولايات المتحدة في دول غرب أفريقيا؛ فبينما عززت موسكو مؤخرًا شراكاتها في منطقة الساحل الأوسط، وسعت إلى توسيع نفوذها في غرب القارة، وخاصة توغو، عملت في المقابل واشنطن على إعادة التواصل مع هذه المناطق.
وعزّزت روسيا علاقاتها في منطقة غرب أفريقيا الساحلية، لتوسيع نفوذها في غرب إفريقيا والمحيط الأطلسي، وقد صادق البرلمان الروسي على اتفاقية تعاون عسكري مع توغو في 22 يوليو/تموز.
وستُسهّل الاتفاقية التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل الأسلحة والمعدات، ودعم المسح البحري والملاحة، ومكافحة القرصنة.
وتزعم بعض التقارير أن الاتفاقية ستمنح روسيا وصولًا "غير مقيد" إلى ميناء لومي، حيث جاء ذلك في أعقاب تنامي العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، في ظل سعي توغو إلى النأي بنفسها عن فرنسا.
وفي هذا السياق، رجّح معهد دراسة الحرب الأمريكي تضمّن الصفقة نشر "فيلق أفريقيا"، إذ تفيد معلومات فرنسية أن العشرات من المستشارين العسكريين الروس تم نشرهم في توغو في أوائل عام 2024 للمساعدة في بناء قواعد عمليات متقدمة.
وقد يسعى الرئيس التوغولي، فوري غناسينغبي، أيضًا إلى الحصول على دعم سياسي من الكرملين، وفق ما صرّح به مركز المقاومة الوطنية في أوكرانيا - وهي عملية معلوماتية تديرها القوات الخاصة الأوكرانية - في فبراير/شباط 2024، أن موسكو تخطط لتقديم الدعم السياسي لحملة إعادة انتخاب غناسينغبي عام 2025.
كما سعت روسيا أيضًا إلى توثيق علاقاتها مع دول مثل بنين وساو تومي وبرينسيبي.
وصرّح السفير الروسي، في بنين في 30 يونيو/حزيران، أن روسيا "تجري مناقشات" لتوقيع اتفاقية مماثلة لاتفاقية توغو مع بنين، إلا أن هذه المحادثات - حسب ترجيح المعهد الأمريكي - في مراحلها الأولى.
وعلى المنوال ذاته، صادقت ساو تومي وبرينسيبي - وهي دولة جزرية قبالة سواحل غرب إفريقيا - على اتفاقية عسكرية مع روسيا في أبريل/نيسان، تسمح للسفن الروسية بالتزود بالوقود في موانئ ساو تومي وبرينسيبي.
وحسب تقارير استخباراتية، يسعى الكرملين إلى الوصول إلى الموانئ الأطلسية في غرب إفريقيا الساحلية، لتعزيز شبكته اللوجستية في منطقة الساحل عبر موانئ لومي، ما قد يخلق ممرًا لوجستيًا يربط التحالف الثلاثي المدعوم من روسيا، ويضم بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بخليج غينيا.
ومن المتوقع أيضًا دعم روسيا لانضمام توغو إلى تحالف الساحل، لتعزيز جهودها الرامية إلى استبدال النفوذ الغربي في المنطقة.
وفي رأي معهد دراسة الحرب، يهدد النفوذ الروسي المتزايد في توغو الشراكة الأمريكية مع هذه الدولة؛ إذ تشارك القوات العسكرية بين البلدين في عمليات مشتركة تتعلق بمكافحة الإرهاب والأمن البحري في خليج غينيا.
كما استثمرت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لدعم جهود أمن الحدود وبناء المجتمع في شمال توغو، كجزء من قانون الهشاشة العالمية.
ومن شأن الوجود الروسي الأقوى في شمال توغو أن يخلق تحديات لوجستية لتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتوغو.
كما أن نهج روسيا القوي، الذي يركّز على الجيش في مكافحة التمرد، يتعارض مع نهج مكافحة التمرد الأمريكي، الذي يركّز على السكان، والذي يساعد قانون الهشاشة العالمية في دعمه.
في الأثناء، تحاول الولايات المتحدة إعادة تفعيل تحالفها مع دول الساحل بحلول عام 2025، وقاد نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، ويل ستيفنز، جهود الولايات المتحدة لإعادة بناء الشراكات مع الدول الثلاث منذ أبريل/نيسان الماضي.
والتقى ستيفنز بمسؤولين رفيعي المستوى من بوركينا فاسو والنيجر، في إطار جولة إقليمية أواخر مايو/أيار، وعاد لاحقًا إلى المنطقة في 22 يونيو/حزيران، لزيارة مالي ومناقشة التعاون الأمني والتجاري مع المسؤولين الماليين.
وزار رئيس الوزراء النيجري واشنطن العاصمة في أواخر أبريل، لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية والتجارية، بينما قدّمت السفيرة الأمريكية في النيجر أوراق اعتمادها رسميًا إلى زعيم المجلس العسكري النيجري، عبد الرحمن تياني، في مايو 2025، لأول مرة منذ توليه السلطة في عام 2023 وطرد القوات الأمريكية في عام 2024.
وقال قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، الجنرال مايكل لانغلي، في مؤتمر صحفي في مايو، إنه دعا وزير الدفاع البوركينابي إلى مؤتمر رؤساء الدفاع الأفارقة بقيادة الولايات المتحدة، وأنها لا تزال ترغب في التعاون مع هذا البلد بشأن تحديات مكافحة التشدد.
والتقى أيضًا وزير خارجية مالي بالسفير الأمريكي، ومستشار مكافحة الإرهاب رودي عطا الله، في أوائل يوليو/تموز، لمناقشة التعاون الثنائي في مكافحة التطرف.
وقالت مصادر مؤيدة للمجلس العسكري إن الاجتماع ناقش الدعم الفني واللوجستي للقوات المالية، والتدريب على مكافحة العبوات الناسفة البدائية، والتعاون الاستخباراتي.
ويورد المعهد الأمريكي عدة عقبات تواجه الولايات المتحدة في تعزيز شراكاتها مع هذه الدول في غرب إفريقيا.
إذ تُقيّد قوانين أمريكية متعددة المساعدات والمبيعات الدفاعية لدول الساحل، نظرًا لسجلاتها الديمقراطية وحقوق الإنسان الضعيفة.
وارتكبت القوات البوركينابية والمالية العديد من الأنشطة المدرجة صراحةً، فيما يسمى "قانون ليهي"، على أنها انتهاكات جسيمة، مثل التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري.
كما يُقيد القانون الأمريكي معظم أنواع المساعدات الخارجية، بما في ذلك المساعدات العسكرية، لحكومات الانقلاب، حتى تستعيد حكومة منتخبة ديمقراطيًا السلطة.
وقد أرجأ قادة المجلس العسكري في البلدان الثلاثة الانتخابات مرارًا وتكرارًا، ومددوا فترات ولايتهم في السلطة.