تتسارع التطورات على الساحة الدولية بين أرقام المساعدات المتضاربة وتصريحات القادة، بينما تدخل الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة مع ازدياد الحديث عن "اتفاق سلام محتمل".
فبينما يصرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أن واشنطن أنفقت مئات المليارات على كييف، تكشف المعطيات الأوروبية أن القارة العجوز هي التي تتحمل العبء الأكبر من الدعم المالي والعسكري والإنساني لأوكرانيا.
ترامب أكد أن الولايات المتحدة قدّمت 300 مليار يورو من المساعدات إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب ضد روسيا، بينما لم يوفّر لها الأوروبيون سوى 100 مليار، غير أن الواقع هو أن المساعدات الأوروبية قد تجاوزت اليوم تلك القادمة من واشنطن.
وبالنظر إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي، فإن الدنمارك هي الدولة التي تقدم أكبر قدر من المساعدة الثنائية (2.9 % من الناتج المحلي)، بحسب معهد كيل، وهو مركز أبحاث مقره ألمانيا.
ففي 30 يونيو/ حزيران 2025، بلغ إجمالي ما قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية 114.6 مليار يورو (134.23 مليار دولار)، مقابل 167.4 مليار يورو من الجانب الأوروبي، وفقًا لمعهد كيل؛ هذا المبلغ موزّع بين الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، إضافة إلى المملكة المتحدة وآيسلندا والنرويج وسويسرا.
أما نفقات الاتحاد الأوروبي وحده، فقد بلغت 63.18 مليار يورو بين عامي 2022 و2024، وفقًا لبيانات كيل؛ أما المساعدات العسكرية فقد قدّمتها في الغالب الدول الأعضاء باسمها الخاص، على أن يتم تعويضها جزئيًا من قبل الاتحاد الأوروبي (ما يُعتبر في النهاية دعمًا ماليًا)، ذلك أن الاتحاد الأوروبي ليس مختصًا بإنفاق الأموال بشكل مباشر على التسلّح.
وبحسب الأرقام، بات واضحًا أن أوروبا قد أخذت زمام المبادرة في مجال دعم أوكرانيا، ومن المتوقع أن توفر 90 مليار يورو إضافية لكييف.
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، اتفق الأعضاء على إنشاء أداة جديدة تُسمّى "تسهيل الدعم لأوكرانيا" (Ukraine Facility) بقيمة تصل إلى 50 مليار يورو حتى عام 2027.
وقد حصلت كييف بالفعل على 19.6 مليار يورو من هذه الأداة، في حين أُعلن عن دفعة مسبقة بقيمة 3.5 مليار في فبراير 2025.
من الناحية العسكرية، احتفظت الولايات المتحدة لفترة طويلة بالصدارة؛ فعلى الرغم من أن المساعدات الأوروبية الإجمالية (باحتساب الجانب الإنساني) كانت أكبر، إلا أن الأمريكيين ظلوا المزوّد الأبرز بالسلاح؛ لكن هذا تغيّر منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي.
فقد بلغت المساعدات العسكرية الأمريكية 64.6 مليار يورو بين 2022 و2024؛ لكن للمرة الأولى منذ بداية الحرب الروسية، تقدّم الأوروبيون على واشنطن في هذا المجال.
ففي مايو/ أيار، صادقت واشنطن على صفقات كبيرة لتصدير الأسلحة إلى أوكرانيا، لكن هذه العمليات لا تُحتسب كمساعدات عسكرية وفق منهجية معهد كيل، لأنها مشتريات تموّلها أوكرانيا بنفسها.
أما وفق مجلس الاتحاد الأوروبي، فقد بلغت قيمة الدعم العسكري الأوروبي 59.6 مليار يورو، يضاف إليها 13.77 مليار من المعدات التي وفرتها المملكة المتحدة و3.95 مليار من النرويج.
وتتميز أوروبا كذلك بمستوى مرتفع من المساعدات المالية والإنسانية، ففي الاتحاد الأوروبي وحده، تبلغ قيمتها نحو 85 مليار يورو في عام 2025.
كما فعّل الاتحاد آلية الحماية المؤقتة لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين على أراضيه، وهي خطة تبلغ قيمتها 17 مليار يورو.
وبالمقارنة، فإن المساعدات الإنسانية والمالية الأمريكية لا تتجاوز 50 مليار يورو، وفق تقديرات معهد كيل.
وتزداد أهمية المساعدات الأوروبية في ضوء قرارات إدارة ترامب الأخيرة؛ ففي 20 يناير/ كانون الثاني 2025، أمر الرئيس الأمريكي عبر مرسوم بتجميد المساعدات الخارجية المقدمة من وكالة التنمية الأمريكية (USAID) لمدة 90 يومًا.
ومنذ مارس/ آذار 2025، ما زال 83% من برامج التمويل الخاصة بالوكالة معلّقًا؛ وهي قرارات خطيرة العواقب، إذ تمثل الوكالة وحدها 42% من المساعدات الإنسانية في العالم، ولا سيما في أوكرانيا.
وبينما يستمر الجدل حول حجم هذه المساعدات، تستعد باريس ولندن وبرلين لقيادة اجتماع مهم لـ"تحالف الراغبين"، وهو تكتل يضم نحو 30 دولة بقيادة فرنسا، وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وكندا وتركيا.
وُلد هذا التحالف في مارس/ آذار الماضي، استجابة لدعوة من براغ، ويهدف بالأساس إلى تأمين أوكرانيا ضد أي هجوم روسي جديد، من خلال مواصلة الدعم العسكري، وضمان سيادتها، والاستعداد للدفاع عن أي اتفاق سلام محتمل.
الاجتماع الحالي، الذي ينعقد قبيل زيارة الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، إلى واشنطن ووسط زخم قمة ترامب- بوتين في ألاسكا، يبحث ضمانات أمنية لكييف في إطار تسوية سياسية.
ويشير دبلوماسيون إلى أن النقاش قد يحدد ملامح اتفاق مستقبلي بين كييف وموسكو، في وقت يحاول الأوروبيون إظهار ثقلهم في المعادلة الدولية، مقابل مبادرات واشنطن وموسكو لصياغة مخرج للحرب.