على الرغم من احتفالات اليوبيل الذهبي للدبلوماسية الصينية الأوروبية، إلا أن تايوان تشكل مصدر قلق متزايدًا لكل من بكين وبروكسل؛ فما كان يُعدّ ملفًا ثانويًا، تحول اليوم إلى قنبلة موقوتة تهدد العلاقات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بين القارتين، مع احتمال تحولها إلى صدام مفتوح إذا لم تُدر بحكمة.
يُعدّ ملف تايوان الآن محورًا رئيسيًا للصراع، بعد أن كان يُنظر إليه تاريخيًا كإجراء شكلي. فقد وسّعت عدة دول أوروبية علاقاتها مع الجزيرة، في محاولة لإعادة تفسير سياسة "الصين الواحدة".
من جانبها، تُصِرّ بكين على أن أي تهاون في هذه القضية يُعدّ خطًا أحمر دبلوماسيًا لا يمكن تجاوزه. وتعتبر بكين الزيارات الدبلوماسية والمكاتب التمثيلية والدعم البرلماني المتزايد لتايوان أدوات نفوذ تهدد استقرار علاقاتها مع أوروبا.
وتسعى بروكسل لتحقيق توازن دقيق بين مصالحها التجارية الضخمة مع الصين وتحالفاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، دون إثارة غضب بكين. وتُظهر دول الاتحاد الأوروبي مواقف متباينة، فبينما تتخذ دول مثل ليتوانيا والتشيك وبولندا خطوات استفزازية تجاه تايوان، تلعب فرنسا وألمانيا دورًا أكثر حذرًا.
في المقابل، تحافظ دول أخرى مثل المجر وصربيا على مواقف مؤيدة لبكين، بهدف الاستفادة من الاستثمارات الصينية ومبادرة الحزام والطريق وتجنب أي صدام اقتصادي.
وفقًا للدبلوماسي الصيني السابق كوي هونغ جيان، أصبحت تايوان رمزًا يجمع بين القومية والمقاومة للتدخلات الأجنبية. فحيازتها على التكنولوجيا المتقدمة ودورها في جائحة "كوفيد-19" رفع من قيمتها الدبلوماسية والاقتصادية؛ ما جعلها محور الصراع بين بكين وأوروبا، وورقة ضغط محتملة في مواجهة النفوذ الأمريكي المتصاعد.
فيما تجد أوروبا، رغم اهتمامها بمصالحها الاقتصادية في الصين، نفسها مضطرة لموازنة هذه الأوراق بعناية، فكل خطوة خاطئة قد تؤدي إلى انزلاق استراتيجي خطير.
وتفيد التقارير بأن 40% من التجارة الأوروبية تمر عبر مضيق تايوان؛ ما يجعل المنطقة مركز قلق أمني وتجاري. عمليات حرية الملاحة الأوروبية، رغم رمزية القانون البحري، تعتبرها بكين استفزازًا مباشرًا قد يهدد الاستقرار الإقليمي.
فيما تظهر تحركات القوات الأوروبية في المنطقة، وإن كانت محدودة، أن بروكسل بدأت تأخذ قضية تايوان على محمل الجد ضمن استراتيجية أوسع لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويحذر الخبراء من أن أي سوء إدارة لقضية تايوان قد يشعل فتيل أزمة دبلوماسية وأمنية، ويؤثر على التجارة والاستقرار العالمي. ويشير المراقبون إلى أن دولًا صغيرة في أوروبا قد تستخدم القضية لكسب ود واشنطن؛ ما يزيد من احتمالية التصعيد ويضع الصين تحت ضغط مضاعف.
ومع تصاعد التوترات، يبقى السؤال: هل ستتمكن بروكسل وبكين من الحفاظ على الاستقرار، أم ستتحول القضية إلى أزمة مفتوحة غير محسوبة النتائج؟
تايوان اليوم ليست مجرد جزيرة، بل مفترق طرق استراتيجي يختبر قدرة الصين والاتحاد الأوروبي على الموازنة بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية. وكل خطوة خاطئة قد تعيد رسم خرائط النفوذ في آسيا وأوروبا، وتحوّل الاحتفال بنصف قرن من العلاقات إلى فوهة بركان دبلوماسي متقد، مع احتمالات تصعيد قد لا يمكن احتواؤها بسهولة.
ويتطلب المستقبل دبلوماسية ذكية، وتوازنًا دقيقًا بين المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي، مع إدراك أن تايوان ستظل الورقة الأقوى والأخطر في هذا الشطر من الصراع العالمي.