عاد الوضع الأمني في السويداء جنوبي سوريا إلى واجهة الأحداث، بعد أن تقدم محافظ المدينة الدكتور مصطفى البكور باستقالته إلى الرئيس أحمد الشرع.
جاءت استقالة المحافظ عقب وقوع عدد من الأحداث الأمنية في السويداء والجنوب السوري، آخرها تعرض مكتبه في مبنى المحافظة لاقتحام من قبل أشخاص مسلحين.
وتبعاً لمعلومات حصل عليها "إرم نيوز" من مصادر خاصة، فإن 8 أشخاص مسلحين اصطدموا مع حرس مكتب المحافظ بمشادة كلامية، نتيجة إصرارهم على دخول المكتب ومطالبة المحافظ بتنفيذ وعد قطعه بالإفراج عن أحد الشباب المعتقلين من أبناء السويداء في دمشق.
وطلب المحافظ البكور من الشبان المسلحين الدخول إلى مكتبه، وبعد أن استمع إلى مطلبهم اتصل بالنائب العام من أجل الإفراج عن الشاب، الذي كانت قد صدرت مذكرة بالإفراج عنه؛ نتيجة براءته من أية تهمة.
وتسببت هذه الحادثة بغضب شعبي من التصرفات الفردية لبعض "الشباب الموتورين"، أصدر على إثرها أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة بياناً أدانوا فيه هذا "التصرّف غير المسؤول" داخل مبنى المحافظة، كما طالبوا بتفعيل الضابطة العدلية والشرطة، ودعمها من قبل الزعامات الدينية والاجتماعية.
وخلال الأشهر السابقة، أشاد أبناء السويداء بحكمة البكور في معالجته للكثير من الإشكالات الأمنية في المحافظة، إذ توجت جهوده بتفعيل الضابطة العدلية والشرطة، في ظل نقص حاد بالإمكانيات، إضافة إلى متابعة مؤسسات الدولة عملها بشكل طبيعي في المدينة.
وتحاول الإدارة السورية الجديدة إنجاز الملفات الأمنية في مختلف المناطق بعيداً عن الصدام المسلح، في ظل انتشار كثيف للسلاح، وتعدد في الفصائل التي تعمل وزارة الدفاع على ضمها لقوات الجيش.
ويعد الملف الأمني في الجنوب السوري شديد التعقيد؛ إذ لا تزال محافظة السويداء تتعرض لقصف بقذائف الهاون، من الريف الشرقي والغربي، كما تتعرض قراها لهجمات من مجموعات مسلحة، تعطي مبرراً للسكان للحصول على السلاح بهدف الدفاع عن النفس.
ويقول المحلل السياسي عزام شعث: "تعاني أجهزة الشرطة نقصا في العدة والعتاد، وتؤثر هذه الصعوبات اللوجستية في التطبيق الكامل للاتفاقات الأمنية في المحافظة، لكن الإجماع الشعبي يتفق على دعم مؤسسات الدولة لفرض الأمن والاستقرار".
ويبدو أن حل الفصائل المسلحة في السويداء، ونزع السلاح من المدنيين، يتطلبان المزيد من الوقت، كما يرى شعث، مشيرا إلى أن الوضع في السويداء مرتبط بالمناطق المجاورة مثل درعا والريف الشرقي، إذ توجد مجموعات مسلحة.
وأضاف شعث لـ"إرم نيوز": "الوضع الأمني في الجنوب السوري سلة واحدة، يجب التعامل معها مجتمعة، وهذا يتطلب توفر إمكانات مالية وبشرية ولوجستية كافية لتفعيل الضابطة العدلية والشرطة، ليس في السويداء وحسب، بل في كامل المنطقة".
وتنتظر الفعاليات السياسية والشعبية رد رئاسة الجمهورية على طلب استقالة المحافظ البكور، التي تعد أول استقالة لمسؤول في ظل الإدارة السورية الجديدة، كما يتم تداول عدة أسماء مرشحة للمنصب الجديد، منها العميد ضياء العمر، مدير أمن الساحل حالياً.
ويبدو أن البتّ باستقالة المحافظ البكور، واختيار الاسم البديل، سيحددان طبيعة المرحلة المقبلة في محافظة السويداء والجنوب السوري بشكل عام.
ويرى المحلل السياسي عصام عزوز أن البكور كان "شخصية مثالية" لمسؤولية محافظ السويداء.
ويقول: "مر البكور بالعديد من القضايا الأمنية وتمكن من حلها، وتأتي استقالته اليوم ليس خوفاً على حياته، بل ربما بسبب عدم توفر الإمكانات الكافية التي تتطلبها مؤسسات الدولة كي تقوم بعملها بشكل كامل".
وفي حين تبدو الحكومة السورية مشغولة بالملفات الخارجية المتصلة بالانفتاح الدولي ورفع العقوبات، والحصول على الدعم المالي والاقتصادي، فإن الوضع الأمني الهشّ في السويداء والعديد من المناطق الأخرى لا يقل أهمية، كما يقول عزوز، ويضيف: "ما ينجز خارجياً، يمكن أن يعكر صفوه عدم الاستقرار الداخلي".