واجهت إسرائيل تحديات سياسية وأمنية هائلة في عام 2025، وتزامنت معها محاولات توفير الاستقرار والتركيز الإستراتيجي للمستقبل؛ بينما عمل الاقتصاد في ظل ضغوط تضخمية، ومحاولات للتعافي عبر الصناعات التكنولوجية والبناء، شملت تعاملًا مع العجز الناجم عن الإنفاق الدفاعي المرتفع، بحسب دراسات عبرية حول عام 2025.
ووفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS، لا يمكن عزل 2025 إسرائيليًّا عن استعداد نظام تل أبيب للتعاطي مع تحديات ما بعد الحرب، إذ تصدَّرت قضايا ميزانية عام 2026، وتجنيد المتشددين دينيًّا "الحريديم"، وإعادة الإعمار الاقتصادي جدول أعمال الحكومة.
وينفتح تمدُّد القضايا الملحَّة إلى 2026 على حتمية تقييم أداء الحكومة الإسرائيلية حتى نهاية عام 2025؛ ويرى مراقبون أنها واجهت استقطابًا حادًّا، تقاطعت فيه الإنجازات العسكرية والدبلوماسية مع تحديات سياسية واقتصادية، وصلت حد تهديد بقاء الائتلاف الحاكم.
انعدام الثقة في الحكومة والجيش
ووفقًا لتقرير نشره معهد "ألما" العبري، شهدت شعبية حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو ارتفاعًا طفيفًا في الربع الأخير من عام 2025، خاصة بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن.
إلا أنه رغم تحسُّن استطلاعات الرأي، فلا يزال 52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات المقبلة، كما أعربت نسبة مماثلة 52% عن عدم ثقتها بالحكومة الحالية.
ويظهر استطلاع لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن ائتلاف نتنياهو الحالي قد لا يحقق سوى 49 مقعدًا في الكنيست إذا أُجريت الانتخابات العامة اليوم؛ ما يعني افتقاره للأغلبية البرلمانية (61 مقعدًا) لصالح كتل المعارضة.
وإمعانًا في تشريح المشهد الداخلي، شهدت الحكومة الإسرائيلية صراعًا داخليًّا مريرًا حول ما يُعرف بـ"أزمة المساواة في العبء"، وتمثل ذلك في قانون تجنيد المتشددين دينيًّا "الحريديم".
وتفاقمت الأزمة بعد تهديد أحزاب مثل "شاس" بالانسحاب من الائتلاف، إذا فرضت الحكومة تجنيدًا إلزاميًّا على "الحريديم"، بينما ضغط وزراء من "الليكود" واليمين القومي، مثل بتسلئيل سموتريتش، لفرض القانون تلبية للاحتياجات العسكرية.
وتبرز موازنة العام القادم 2026 كنقطة خلافية كبرى قد تؤدي لانتخابات إسرائيلية مبكرة، بسبب التوتر بين وزارة المالية، التي تسعى لضبط العجز، والدفاع التي تطالب بزيادات دفاعية فلكية في الميزانية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، عادت محاولات الحكومة إلى تعديل النظام القضائي، فيما يُعرف بـ"الاصلاحات القضائية"؛ ما أدى إلى تراجع مستويات التفاؤل بمستقبل الديمقراطية وتجدد الاحتجاجات الشعبية.
وفيما حافظ الجيش الإسرائيلي على مستويات ثقة مرتفعة (65%) مقارنة بالمؤسسات السياسية في 2025، إلا أن هناك تراجعًا ملحوظًا في ثقة تيار "اليسار والمركز" بالقيادات العليا في الجيش؛ وربما يعود ذلك إلى تراجع شعور 37% من الإسرائيليين بمستوى عالٍ من الأمن الشخصي، وهي نسبة منخفضة تاريخيًّا، رغم كونها أفضل من مستويات عام 2024، بحسب نتائج استطلاع رأي الصحيفة العبرية.
هاوية اقتصادية غير مسبوقة
وعلى صعيد الوضع الاقتصادي، واجهت حكومة نتنياهو في 2025، اتهامات من قبل المعارضة والمراقبين بقيادة إسرائيل نحو "هاوية اقتصادية" غير مسبوقة بسبب التكاليف الهائلة للحروب، حيث وصل العجز إلى 5.2% - 6%، مع تحذيرات من وكالات تصنيف ائتمانية دولية.
وبحسب معطيات مركز "تاوب" البحثي الإسرائيلي، الواردة في كتاب تحت عنوان "وضع إسرائيل في عام 2025"، بلغت ميزانية الدفاع لعام 2025 نحو 136 مليار شيكل (الشيكل يعادل 0.31 دولار)، وأوصت لجنة "ناغل" المعنية بتقدير ميزانية وزارة الدفاع بزيادة الميزانية بنحو 6 مليارات شيكل، لتصل إلى نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، أي بزيادة قدرها 60 مليار شيكل تقريبًا.
كما أوصت اللجنة بزيادة ميزانية الدفاع للعقد الذي يبدأ في عام 2026 بنحو 9 إلى 15 مليار شيكل سنويًّا (بإجمالي 133 مليار شيكل).
وفي هذه المرحلة، وفقًا لبيانات مركز "تاوب"، لا توجد مصادر تمويلية لزيادة ميزانية الدفاع، ومن المرجح أن يتم تمويل هذه الزيادة عن طريق زيادة العجز، ورفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ وقد يُعرّض هذا الإجراء استقرار إسرائيل المالي للخطر.
رغم ذلك، أنهى الاقتصاد الإسرائيلي عام 2025 بمرونة مفاجِئة رغم الأعباء المالية الضخمة، مدعومًا بقطاع تكنولوجي قوي، وقدرة على التعافي السريع فور استقرار الأوضاع الأمنية.
وأشارت تقديرات محدَّثة لبنك إسرائيل، وصندوق النقد الدولي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي بنسبة تقارب 2.5% لعام 2025.
بينما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) نموًا أعلى قليلًا وصل إلى 3.3%.
تسارع وتيرة الاستيطان في الضفة
وفي حين فرضت حرب غزة عزلة دولية على إسرائيل حتى اتفاق وقف إطلاق النار، واجه مسؤولون إسرائيليون مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية؛ ما أثر في مكانة تل أبيب الدولية.
لكن التأثير الأكبر أحرزه ملف الاستيطان، الذي وجّه للحكومة الإسرائيلية انتقادات دولية وإقليمية حادة، ولا سيما بعد بلوغه مستويات قياسية في 2025.
وشهد عام 2025 تسارعًا غير مسبوق في وتيرة الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية، حيث سجل أكبر توسع استيطاني منذ سنوات، وتجاوزت الأنشطة مستويات قياسية.
ووافقت الحكومة الإسرائيلية على عدد كبير من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الجديدة أو "شرعنة" بؤر قائمة بالفعل.
وفي أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2025، صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي على خطة لإقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة "معاريف".
وشملت الخطوة شرعنة بؤر استيطانية قائمة وإعادة إقامة مستوطنات تم إخلاؤها سابقًا عام 2005، مثل "غانيم" و"كاديم".
وأفادت منظمات مراقبة الاستيطان، مثل "السلام الآن"، بأن عدد الوحدات الاستيطانية التي تم التخطيط لها في 2025 كان هائلًا، حيث تمَّت الموافقة على أكثر من 28 ألف وحدة استيطانية منذ بداية العام، وهو مستوى قياسي على الإطلاق.
وفي أغسطس/ آب 2025، وافقت الحكومة الإسرائيلية على المضي قدمًا في مشروع E1 الاستيطاني المثير للجدل، والذي كان مجمدًا لعقود بسبب المعارضة الدولية.
ويهدف المشروع إلى بناء آلاف الوحدات الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المصنَّفة EI بين القدس ومستوطنة "معاليه أدوميم"؛ ما قد يمنع التواصل الجغرافي لدولة فلسطينية مستقبلية.
وارتفع إجمالي عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية بشكل ملحوظ، بنحو 50% خلال فترة الحكومة الحالية، ليصل إلى نحو 210 مستوطنات وبؤر بحلول نهاية العام.
وتزامنت الأنشطة الاستيطانية المتزايدة مع تصاعد كبير في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولا سيما في مناطق الرعي والقرى الصغيرة.
هندسة إقليمية جديدة
ووسط تفاقم الأزمات، لم تتنازل إسرائيل في 2025 عن تبني إستراتيجية سياسية، تبلورت في إدارة تداعيات الحروب متعددة الجبهات، مع التركيز على إعادة تشكيل الواقع الأمني الإقليمي.
ووفقًا لورقة بحثية أعدها معهد الدراسات الوطنية والأمنية الإسرائيلي، انتقلت تل أبيب في 2025 إلى إستراتيجية "إدارة المخاطر" بدلًا من الحلول السياسية الشاملة، واعتمدت على خطتي "عربات جدعون 1 و2" العسكريتين، لضمان سيطرة أمنية وعسكرية في مناطق مختارة من قطاع غزة، والحيلولة دون إعادة تشكيل قوة حماس، مع تجنب المسؤولية الكاملة عن الإدارة المدنية لجميع السكان.
كما اعتمدت الإستراتيجية الإسرائيلية في العام ذاته على مبدأ "إضعاف المحور الإيراني حتى الانهيار، بالإضافة إلى مواصلة العمليات العسكرية الاستباقية في سوريا ولبنان، لضمان عدم عودة "حزب الله" إلى الجنوب، أو إنشاء قواعد إيرانية جديدة؛ والضغط على إدارة ترامب لممارسة "ضغوط قصوى" على البرنامج النووي الإيراني.
وحاولت إسرائيل في 2025 فرض "هندسة إقليمية جديدة"، تعتمد على قوتها العسكرية المتفوقة والتحالفات الدفاعية، مع الإصرار على السيطرة الأمنية الأحادية في الساحة الفلسطينية.
وفي مايو/ أيار، وافقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على مشروع "قانون إستراتيجية الأمن القومي"، الذي يُلزم بوضع خطة إستراتيجية طويلة الأمد لمواجهة التهديدات الإقليمية.
دعم عسكري وسياسي واسع
وفيما يخص علاقات إسرائيل الدولية في 2025، فاتسمت مع نهاية العام بالتعقيد والاعتماد المتزايد على حلفاء رئيسيين في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.
وظلت الولايات المتحدة هي الحليف الأبرز، ووفرت لها دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا واسع النطاق، إذ أقرت واشنطن حزمة مساعدات عسكرية إضافية ضخمة لإسرائيل بقيمة 14.5 مليار دولار في عام 2025.
كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) بضع مرات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد قرارات تدين إسرائيل؛ ما وفر لها غطاءً سياسيًّا مهمًّا على الساحة الدولية.
وتعمقت الشراكة الأمنية، خاصة بعد دمج إسرائيل في القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)؛ ما عزز التنسيق في مواجهة التهديدات الإيرانية.
وفي المقابل، تباينت المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل، إذ أعلنت الحكومة البريطانية في مايو/ أيار 2025 عن تعليق محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل، وراجعت خريطة طريق العلاقات الثنائية مع تل أبيب بسبب مخاوف من انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في غزة.
واستمر التعاون التكنولوجي والاقتصادي الأوروبي مع إسرائيل في مجالات معينة، مثل الذكاء الصناعي والمشاريع الرقمية، لكن العلاقات السياسية ظلت متوترة خلال 2025 على خلفية التوسع الاستيطاني والقضايا الإنسانية.