فيما تتجه الأنظار إلى مسار تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، تتصاعد أزمة الإطار التنسيقي مع تزايد الخلافات حول مرشح رئاسة الوزراء.
ويتمسك رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني بالترشح لولاية ثانية، مقابل إصرار ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على طرحه بديلاً، أو اشتراط انسحاب السوداني كمدخل لأي تسوية داخل التحالف الشيعي الأوسع.
وتشير معطيات سياسية إلى أن الإطار التنسيقي (ممثل الأحزاب الشيعية) بات يواجه واحدة من أكثر مراحله تعقيداً منذ تأسيسه، ليس فقط بسبب الخلاف على اسم المرشح، بل أيضا بفعل الخلافات حول شكل المرحلة المقبلة، وحدود العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية، ولا سيما الولايات المتحدة وإيران.
وبدوره، قال مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، إن "السوداني يمتلك فرصاً واقعية للاستمرار، مستنداً إلى ما تحقق من استقرار سياسي وأمني نسبي خلال ولايته، غير أن ملف الفصائل المسلحة يبقى التحدي الأكبر، خاصة تلك المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والتي يتجاوز عددها أربعة وثلاثين فصيلاً".
وأضاف فيصل لـ"إرم نيوز"، أن "بعض هذه الفصائل يرفض بشكل صريح مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، فيما أبدت أطراف أخرى مرونة نسبية، لكن السؤال الجوهري يبقى ما إذا كان المشهد يؤشر لتحول حقيقي باتجاه دولة المؤسسات، أم مجرد تكتيك سياسي لامتصاص الضغوط الأمريكية".
وفي ما يتعلق بعلاقة السوداني بالمالكي، أوضح فيصل أن "الإطار التنسيقي يفتقر إلى وحدة فكرية أو أيديولوجية، ويضم أطرافاً ذات مرجعيات دينية وسياسية متباينة، بعضها يرتبط بمرجعية النجف، وأخرى بمرجعيات إيرانية؛ ما يكرس التناقضات داخله".
ولفت إلى أن "السوداني قد يسعى لفتح هامش دور سياسي للمالكي داخل منظومة القرار، دون المساس بموقع رئاسة الوزراء، مقابل تمرير الحكومة ومنحها الغطاء السياسي".
ويعود جزء من التوتر الحالي إلى الخلفية السياسية للسوداني، الذي انبثق أساساً من عباءة حزب الدعوة، ومثّل هذا الحزب في حكومات سابقة قبل أن يتجه إلى بناء مشروع سياسي مستقل نسبياً عن المالكي.
وبحسب مراقبين، بدأ الخلاف بالظهور بشكل أوضح بعد نحو عام ونصف العام من تسلم السوداني رئاسة الحكومة، على خلفية مقارباته لعدد من الملفات المهمة، وأبرزها التعاطي مع قضية تغير النظام في سوريا، واتّباعه سياسة أكثر توازناً في الإقليم.
كما ساهمت قضية "التنصت" الشهيرة، بعد الكشف عن أحد المقربين من السوداني وهو يتجسس على سياسيين عراقيين، في تعميق الشكوك داخل الإطار، فضلاً عن الأزمات المالية المتلاحقة، واتهامات وُجهت لرئيس الوزراء بالابتعاد عن الخط الإيراني، والاقتراب أكثر من الرؤية الأمريكية في ملفات الأمن والاقتصاد.
بدورها قالت عضو ائتلاف دولة القانون ابتسام الهلالي إن "الائتلاف قدم مرشحه بشكل واضح وصريح داخل الإطار التنسيقي، ويسعى إلى تمريره وفق السياقات السياسية المتفق عليها".
وأكدت أن "هذا الترشيح لا يأتي بدافع النكاية أو التصعيد ضد رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني ولا يُبنى على منطق الخصومة الشخصية أو الإقصاء السياسي".
وأضافت الهلالي لـ"إرم نيوز" أن "ترشيح المالكي يمثل مشروعاً سياسياً متكاملاً، يقوم على رؤية واضحة لإدارة الدولة، ولا سيما في الملفين الاقتصادي والمالي، بما ينسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة، ومعالجة الاختلالات المتراكمة في بنية الاقتصاد، وإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والموارد، بعيداً عن الحلول المؤقتة أو السياسات الترقيعية"، وفق وصفها.
وأوضحت أن "الحديث المتداول عن وجود (فيتو) ضد المالكي غير دقيق ولا يستند إلى معطيات واقعية".
وشددت على أن "الإطار التنسيقي لم يطرح أي اعتراض رسمي على شخص السوداني، وأن ما يجري هو نقاش سياسي طبيعي بين قوى متحالفة تبحث عن أفضل الخيارات لتشكيل الحكومة المقبلة".
وبرغم تداول نحو تسعة أسماء مرشحة داخل أروقة الإطار التنسيقي خلال الاجتماعات المغلقة، تشير معطيات سياسية إلى أن المنافسة الفعلية انحصرت عملياً بين نوري المالكي ومحمد شياع السوداني، بوصفهما الطرفين الأكثر حضوراً وتأثيراً داخل معادلة التسمية.
وتوضح هذه المعطيات أن بقية الأسماء المطروحة تُستخدم في الغالب كورقة مناورة أو خيارات احتياطية، في حين تتمحور الخصومة السياسية الحقيقية بين المالكي والسوداني.
وبحسب مختصين، فإن استمرار هذا الاستقطاب الثنائي يؤشر إلى عمق الانقسام داخل الإطار التنسيقي، ويجعل من حسم اسم رئيس الوزراء مرهوناً بقدرة أحد الطرفين على ترجيح كفته، أو الذهاب إلى تسوية تفرضها حسابات اللحظة السياسية والتوازنات داخل البرلمان.