حوّلت إسرائيل ملف إعادة الإعمار في قطاع غزة من استحقاق إنساني إلى ورقة ابتزاز سياسي، تُستخدم للضغط من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية، التي أعلنتها للحرب على غزة، أبرزها نزع سلاح الفصائل المسلحة، وترتيب واقع ما بعد الحرب بما يخدم مصالحها الأمنية.
ويرى محللون أن إسرائيل تهدف من تأخير عملية إعادة الإعمار إلى تحقيق هدف تهجير سكان غزة، وجعل الحياة في القطاع مستحيلة بعد تدمير واسع طال البنى التحتية ومنازل الفلسطينيين.
وقال المحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، إن "الهدف الأساسي لإسرائيل منذ بداية الحرب لم يكن فقط القتال، بل التهجير القسري للفلسطينيين عبر التدمير الممنهج للبنية التحتية والمنازل، ونفي الحياة من قطاع غزة، لدفع السكان نحو الهجرة".
وأضاف إبراهيم، لـ"إرم نيوز"، أن "إسرائيل لم تكن تُفكر بإعادة الإعمار أصلًا، ولم يُطرح هذا الملف على طاولتها إلا بعد طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة ريفيرا غزة، وهو ما اعتُبر نقطة البداية لتحويل الإعمار إلى أداة سياسية لا إنسانية".
وأشار إلى أن "الهدف الحقيقي لإسرائيل هو إحداث تغيير ديموغرافي عبر التهجير والطرد القسري، وهو ما يرقى إلى جريمة حرب وتطهير عرقي".
وتابع إبراهيم: "المماطلة وفرض الشروط سواء السياسية أو الأمنية هدفها الأساسي نزع سلاح حماس، وتأبيد واقع جديد في القطاع بما يخدم المصالح الإسرائيلية".
وبين إبراهيم أن "ملف الإعمار تمّ سحبه فعليًا من يد الفلسطينيين، ولن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية هي الجهة المشرفة كما كان الحال سابقًا، بل سيكون مجلس السلام وهيئة الاستقرار، إلى جانب البنك الدولي وبعض الدول الممولة، هي الأطراف التي تدير هذا الملف".
وأوضح أن "الانقسام الفلسطيني ليس هو العامل الأساس في تعطيل الإعمار، بل إن المسألة مرتبطة بقضية نزع سلاح حماس"، مضيفًا "طالما لم تُحل هذه المسألة، فلن يُسمح للفلسطينيين بالانخراط الحقيقي في إعادة الإعمار".
من جهته، قال المحلل السياسي، أكرم عطا الله، إن "تحول ملف الإعمار من قضية إنسانية إلى ورقة سياسية هو أمر طبيعي ومتوقع، لأنه لا يوجد ملف سياسي دون ابتزاز"، مستشهدًا بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كان مشروعًا سياسيًا بامتياز مرتبطًا بترتيبات اليوم التالي للحرب.
وأضاف عطا الله، لـ"إرم نيوز"، أن "أي عملية إعادة إعمار تتطلب إمكانيات مالية ضخمة، وهذه الإمكانيات غالبًا ما تُسخّر لخدمة الأجندات السياسية، وبالتالي من الطبيعي أن يُوظَّف ملف إعمار غزة ضمن ترتيبات ما بعد الحرب، وليس كاستحقاق إنساني مستقل".
وتابع: "تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تعكس رفض إسرائيل إعادة الإعمار في ظل وجود حركة حماس"، معتبرًا أن "سلاح الإعمار يُستخدم كأداة ابتزاز ضمن الحالة السياسية الفلسطينية.
وأكد عطا الله أن "وجود حماس يعني عدم السماح بإعادة الإعمار"، مشددًا على أنه "دون إنهاء الانقسام الفلسطيني لن يكون هناك إعمار، خاصة مع رفض الدول المانحة دعم الإعمار في ظل استمرار التصعيدات العسكرية من وقت لآخر".