رصد الخبراء العسكرييون والسياسيون ما تردد مؤخرا من اتفاق واشنطن مع الرغبة الإسرائيلية بإنهاء مهمة قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان "اليونيفيل" وعدم التجديد لها من قبل مجلس الأمن في أغسطس آب القادم.
ويعتقد خبراء أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعمل على إخراج اليونيفيل من الجنوب للقيام بعملية عسكرية في الداخل اللبناني ضد حزب الله، فيما يرى آخرون أن التلويح بهذا الأمر يأتي ضمن رسالة ضغط أمريكية إلى الرئيس اللبناني ومؤسسات الدولة، لنزع سلاح حزب الله في ظل عدم القيام بالالتزامات المرتبطة بقرار وقف إطلاق النار في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.
وذكرت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية مؤخرا، أن الولايات المتحدة وإسرائيل اتفقتا على إنهاء مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان اليونيفيل، وذلك مع اقتراب موعد تجديد ولايتها نهاية شهر أغسطس المقبل.
وأكدت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية لا ترغب بتجديد تفويض عمل قوات اليونيفيل جنوب لبنان، ليأتي ذلك بالتزامن مع ما يتردد عن معارضة فرنسا لإنهاء عمل قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان.
وتمثل إسرائيل عبر حليفتها أمريكا نفوذا كبيرا في قرار تمديد عمل قوات اليونيفيل أو عدم تمديده، وهو القرار الذي يتخذ كل عام في شهر أغسطس، ويتم حسمه في اجتماع لمجلس الأمن.
ويرجع النفوذ الأمريكي في هذا الملف لعدة أسباب أبرزها ما تنفقه واشنطن سنويا ضمن عمل اليونيفيل في لبنان، حيث تقدم ثلث تمويل الأمم المتحدة، أي ما يقدر بـ280 مليون دولار، يخصص جانب لا بأس منها لعمل اليونيفيل، خاصة في ظل عمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تطبيق سياسة الإنفاق التي يتبعها، وهو ما يطول الحصة الأمريكية في المؤسسات الدولية.
يقول الخبير العسكري العميد خالد حمادة إنه دائما وفي كل عام مع اقتراب مهلة التمديد لقوات اليونيفيل تطرح مسألة جدوى وجودها في الجنوب اللبناني لاسيما أن التجربة أثبتت أنه منذ عام 2006 وحتى ما يسمى بحرب الإسناد لم تستطع هذه القوات منع تطوير البنية التحتية لحزب الله ولم تتمكن من القيام بمهامها.
وأضاف حمادة في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن حزب الله الذي يتمسك بعدم نزع سلاحه يقول إنه ليس لديه بنية تحتية هناك، في حين أن وجود سلاحه في شمال الليطاني والبقاع والضاحية، بات مثار جدل، خاصة أن هذه المناطق لا تدخل ضمن عمل اليونيفيل.
وبين حمادة أن نطاق عمل اليونيفيل يقع جنوب الليطاني، في حين أن المأزق اليوم في شمال الليطاني، ومن ثم فإن ما تردد عن طرح الولايات المتحدة حول عدم التمديد لعمل قوات الطوارئ يمثل نوعا من التهديد للحكومة اللبنانية بالقول إنه لم يكن لهذه القوات جدوى، وإن لم يتم تطوير مهمتها لخدمة اتفاق وقف إطلاق النار، فلا يوجد داع لانتشار حوالي 12 ألف عسكري أجنبي في جنوب لبنان، دون فائدة حقيقية لتحسين اتفاق وقف إطلاق النار.
ويعتقد حمادة أن واشنطن تضع الدولة اللبنانية أمام هذا المفترق الخطر، بمعنى أن انسحاب اليونيفيل سيجعل الجيش اللبناني في مواجهة إسرائيل ودون أي تدخل دولي مباشر في حال وجود أي تجاوزات لحزب الله، أو إعادة بناء قدراته وكأنما يتم سحب العامل الدولي الذي له دور كبير في الاستقرار وإلقاء التبعات كافة على الدولة اللبنانية.
واستكمل حمادة بالقول إن إسرائيل تتمنى ألا تتواجد هذه القوات هناك حيث يبعد ذلك العامل الدولي خاصة أن جزءا كبيرا من البلدان التي تتشكل منها اليونيفيل لا تتفق مع السياسة العدوانية الإسرائيلية، ومن ثم فإن تل أبيب باقتراحها بدعم من واشنطن بعدم التجديد لليونيفيل تبعد هذا المكون الدولي الذي يقدم أحيانا شواهد على العدوان الإسرائيلي الذي يجري في الجنوب حتى بعد وقف إطلاق النار.
ويرى الخبير العسكري أن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان تؤكد أن باريس لن تكون سوى ناقل رسائل من واشنطن إلى بيروت، لوضع الدولة اللبنانية مجددا أمام مسؤوليتها وربما تقديم مقاربات جديدة لتطوير مهام اليونيفيل.
وأردف حمادة أن الدور الفرنسي لا يمكن أن يخرج عن نطاق ما تريده واشنطن وتطبيق وقف إطلاق النار كما هو، أي أنه لا توجد قدرة فرنسية على فرض تفسيرات جديدة على القرار 1701 وتقديم صيغ أخرى قد تبقي بشكل أو آخر على جانب من سلاح حزب الله في شمال الليطاني أو أي مناطق أخرى في لبنان.
من جهته يؤكد المحلل السياسي اللبناني ميشال أبو نمر، أن الأزمات الداخلية التي تواجه نتنياهو والتي تهدد ائتلافه تجعله يعمل على فتح ساحة جديدة أخرى للحرب تفرض وجود حكومته وعدم الإطاحة بها من الداخل ومنع تراكم العراقيل أمامها.
ويوضح أبو نمر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الساحة التي يتمسك نتنياهو بالتعامل معها عسكريا هي شن حرب على لبنان والقيام بعملية اجتياح لنزع سلاح حزب الله، وذلك لن يتم إلا بالعمل على إنهاء عمل قوات الطوارئ الدولية في الجنوب وبدء فرض واقع جديد في لبنان لاسيما شمال الليطاني هذه المرة.
وبحسب أبو نمر، فإن تنفيذ نتنياهو لمثل هذه المغامرة وإشعال حرب داخل لبنان أقوى في حدتها من الحرب الأخيرة التي كانت العام الماضي يتطلب عدم وجود قوات دولية تقوم بفض الاشتباك، وتقيد عمل القوات الإسرائيلية وتجعلها بما تفرضه من خطوط وهدنة معرضة للوقوع في مصيدة قوات سريعة الحركة من حزب الله.
وتابع أبو نمر أنه في الوقت نفسه فإن وجود قوات اليونيفيل في حال الدخول الإسرائيلي إلى لبنان سيكون له دور في عدم جعل القوات الإسرائيلية في أي عدوان محتمل تقوم بتوجيه الضربات دون قيود تجاه مناطق بها مدنيون.
وذكر أبو نمر أن رغبة إسرائيل في عدم تمديد اليونيفيل بغرض تجهيز عملية عسكرية في الداخل اللبناني تظهر جليا في العمل على عرقلة انتشار الجيش اللبناني في مواقع بالجنوب اللبناني وذلك من خلال توجيه ضربات جنوب وشمال نهر الليطاني.