logo
العالم

الكاريبي في قلب العاصفة.. هل يقود حصار واشنطن لمادورو إلى حرب إقليمية؟

فنزويلاالمصدر: رويترز

تتدحرج الأزمة الأمريكية الفنزويلية، ككرة الثلج باطراد مستمر، منتقلة من المناكفات السياسية إلى الحصار الاقتصادي، ومنه إلى التصعيد العسكري.

فيما تؤكد المصادر الأمريكية والفنزويلية المتطابقة أن تدخلا أمريكيا مباشرا بات غير مستبعد في ظل ربط واشنطن السببي بين نجاحها في مكافحة المخدرات وإسقاط حكومة نيكولاس مادورو  في كاراكاس.

أخبار ذات علاقة

المدمرة الأمريكية "يو إس إس ستوكدايل"

واشنطن تشعل الكاريبي.. هل تدك "USS Stockdale" حصون فنزويلا؟

منعرج خطير

وأخذ التصعيد الأمريكي في منطقة الكاريبي منعرجا خطيرا بعد ورود تقارير استخباراتية وعسكرية من واشنطن تفيد أن الأخيرة لا ترى أية إمكانية في نجاح خطتها في مكافحة تجارة المخدرات وتهريبها إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون إسقاط نظام مادورو.

وتشير المصادر إلى أن الحشد العسكري الأمريكي في منطقة الكاريبي وقبالة السواحل الفنزويلية يؤكد أن واشنطن تستعد لسيناريو عسكري ضد كاراكاس، وإن لم يكن هذا التدخل في حجم الحرب المباشرة ضدها.

وتتهم واشنطن مادورو وجملة من المسؤولين في فنزويلا بقيادة منظمات تصنفها بالـ"إرهابية" وبأنها تتاجر في المخدرات، وتضع جائزة مالية تقدر بـ50 مليون دولار لمن يسهم في القبض على الرئيس الفنزويلي.

كاراكاس تتحسس الخطر

وتؤكد المصادر من داخل فنزويلا أن كاراكاس بدأت تستشعر خطورة الموقف وجديته، حيث تعتبر التقديرات العسكرية والأمنية أن واشنطن ستضرب داخل البلاد بشكل مباشر، تحت عنوان محاربة مهربي المخدرات.

وتؤكد المصادر أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها مادورو، من تلويحه بفرض حالة الطوارئ وبتوسيع صلاحيته الرئاسية بالتصرّف المُطلق في مسائل الأمن والدفاع، كلها تصب في خانة ترجيح فرضية التدخل العسكري الأمريكي المباشر على خيار التهدئة.

نيكولاس مادورو

جيش لاتيني موحّد

في الأثناء، أثار خطاب مادورو الأخير عن الجيش الموحد لأمريكا اللاتينية تساؤلات المراقبين والمتابعين للشأن الأمريكي، وعن مدى قابلية الفكرة للإنجاز على أرض الواقع في حال وجهت واشنطن لفنزويلا ضربة عسكرية.

وفيما تذهب بعض التقديرات العسكرية إلى صعوبة إنجاز هذه الخطوة في ظل التشرذم اللاتيني أولًا، وفي ظل العلاقات الاقتصادية القائمة بين العديد من الدول اللاتينية وأمريكا ثانيًا، وفي ظل عدم التوافق التام بين العواصم اللاتينية على شرعية الرئيس مادورو ثالثًا، فإن بعض التقديرات العسكرية والأمنية الأخرى لا تُقلل من جدية الخطوة وتحذر من خطورة اعتبارها تصعيدا كلاميا.

وتبني هذه التقديرات أحكامها بجدية أقوال مادورو، على 3 نقاط أساسية، وهي على التوالي: الانحياز السياسي والاستراتيجي لبعض الدول اللاتينية لموسكو على حساب واشنطن واعتبار روسيا شريكا أكثر أحقية بالثقة من أمريكا.

بإلاضافة إلى الانحياز الاقتصادي اللاتيني لبكين، وتحول الصين إلى الشريك الاقتصادي الأول في هذه المنطقة، ورفض العواصم اللاتينية لتعميم النموذج البنمي الذي بمقتضاه قبلت بنما الخروج من مبادرة "حزام الطريق والحرير" بعد الضغوط الأمريكية عليها.

وأخيرا، اعتبار إسقاط النظام الفنزويلي بروفة سياسية وعسكرية ومقدمة استراتيجية لسقوط جميع أحجار الشطرنج على رقعة الكاريبي.

وتعتبر التقديرات أن الخطاب السياسي لرؤساء البرازيل لولا دا سيلفا، وكولومبيا غوستافو بيدرو والشيلي غابريل بوريك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والنبرة التصعيدية غير المسبوقة في خطاب الرئيس الكولومبي، كلّها تشير إلى تغيرات في موازين القوى وفي المزاج السياسي والاستراتيجي في المنطقة، قد تدفع هذه الدول إلى اعتماد توجه غير دفن الرأس في رمال الكاريبي في حال نشوب الصراع.

ويبدو أن مادورو أحسن اختيار عباراته في خطابه الأخير عندما تحدث عن وعود تلقتها القطاعات العسكرية الفنزويلية من نظيراتها من أمريكا اللاتينية بالانخراط في الحرب دفاعا عن فنزويلا.

ولئن ادعى مادورو وجود وعود بالانخراط في الحرب، فهي أقرب ما تكون للوعود الفردية، التي لا تمثل موقف المؤسسات العسكرية للدول اللاتينية ولا حكوماتها السياسية المركزية، ولكنها في المقابل قد تضع الحكومات والجيوش المعنية في حرج شديد أمام جنودها وأمام الرأي العام أيضا.

إسقاط مادورو

ويؤكد الخبراء والمتابعون للشأن اللاتيني أن إسقاط نظام مادورو يمثل أولوية استراتيجية واضحة لواشنطن؛ لأنه يشكل "عقدة ثلاثية الأطراف": فهو نموذج لتكريس التوسع الاقتصادي الصيني في المنطقة، وهو مجال للنفوذ السياسي والاستراتيجي الروسي، وهو أيضا فضاء لتجارة المخدرات.

ومن ثم، فإن إسقاطه يمثل تحقيقا لثلاثة أهداف استراتيجية: تحجيم الدور الاقتصادي الصيني، ضرب النفوذ الروسي في الحدائق الخلفية لواشنطن، ومكافحة تجارة المخدرات، وهو بالتالي نموذج وعينة قابلتان للتعميم والانسحاب على الدول اللاتينية الأخرى كافة.

وفي الأثناء، تؤكد المصادر السياسية والاستراتيجية من داخل واشنطن أن صوت التصعيد العسكري في إدارة ترامب بات أكثر قوة من صوت التهدئة فيما يتعلق بفنزويلا خاصة، وكل دول الكاريبي ومنطقة أمريكا اللاتينية عامة.

روبيو على رأس الصقور

وتشير المصادر إلى أن وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يتولى أيضا منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، يقود جناح الصقور في إدارة ترامب، ويرى الفرصة جدّ مواتية للتخلص من نيكولاس مادورو.

وينتمي لهذا الجناح المتشدد والمتصلب مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف وستيفن ميلر كبير مستشاري ترامب للشؤون الداخلية الأمريكية.

ويعتبر روبيو – الذي قدم أبوه إلى أمريكا هربا من النظام الشيوعي في كوبا – أن الهيمنة الأمريكية لابد أن تُكرّس على دول أمريكا اللاتينية كافة، وعلى رأسها كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا وحتى البرازيل.

ويؤكد الخبراء أن روبيو يسترجع بشكل واضح عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس مونرو، وهي عقيدة تعيد التركيز السياسي والاقتصادي والاستراتيجي على منطقة الكاريبي وعلى أمريكا اللاتينية، وتعتبر أن قوة أمريكا تتلخّص في السيطرة الشاملة على الشطر الغربي من العالم.

في المقابل، يقف مبعوث ترامب إلى فنزويلا ريتشارد غرينيل، وحيدًا على رأس جناح "المعتدلين"، حيث يشدد على ضرورة المحافظة على خط دبلوماسي رقيق مع مادورو – بالتوازي مع العقوبات الاقتصادية القائمة – وعدم الانجرار وراء سيناريوهات إسقاطه التي قد تورط الولايات المتحدة الأمريكية في حرب طويلة ومكلفة.

وتشير التقارير الواردة من واشنطن إلى أن صوت غرينيل بات عبارة عن عزف منفرد، في ظل جوقة سياسية تدق طبول الحرب بشكل مستمر في البيت الأبيض.

أخبار ذات علاقة

فنزويلا.. تهديد نووي روسي؟

فنزويلا 2025.. هل تعود أزمة الصواريخ الكوبية بطابع نووي روسي؟ (فيديو إرم)

 ما بعد مادورو

وتؤكد التقارير أن الاتصالات السياسية عالية المستوى جارية حاليا مع المعارضة الفنزويلية التي تتحضر لمرحلة ما بعد مادورو، حيث جهزت خطة للتعامل مع أول 100 ساعة في البلاد عقب سقوط النظام الفنزويلي القائم.

وتتضمن الخطة نقل السلطة إلى المعارض إدموند غونزاليس، الذي خاض ضد مادورو تنافسا انتخابيا رئاسيا قويا العام الفائت، وادعى أنه هو الفائز واتهم الهيئات الانتخابية بتزوير النتائج.

وسبق أن التقى روبيو في مايو الماضي بخمسة معارضين فرّوا سرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من بينهم زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو.

ولئن كان هدف واشنطن بإسقاط مادورو واضحا، فإن الآليات والأدوات تبقى غامضة وغير محددة بعد.

وتضع الدراسات العسكرية 3 خيارات عسكرية لإسقاط مادورو: إما بشن حرب مباشرة، وهو مستبعد بالنظر لقلة عدد الجنود المارينز المرابطين قبالة السواحل الفنزويلية، حيث لا يتجاوزون 5 آلاف، أو بالمزاوجة بين الضربات العسكرية الصاروخية للأماكن الحساسة وتشجيع القيادات العسكرية على التخلص من مادورو وإيجاد صفقة لنقل سريع للسلطة، أو بتحريك الشارع من خلال المظاهرات والاحتجاجات المليونية والاعتصام في الميادين، ودعوة المعارضة إلى تسلم السلطة ضمن إطار للانتقال الديمقراطي الخالي من أي وجود سياسي وعسكري لمادورو والقريبين منه.

وتبقى هذه السيناريوهات قابلة للتعديل أو التعليق أو التأجيل في أي لحظة، لاسيما مع امتلاك كاراكاس لعدة أوراق سياسية مهمة، من بينها النفط، حيث بإمكانها إبرام صفقة جديدة مع إدارة ترامب بأسعار تفاضلية، أو في المقابل استدعاء بكين وموسكو إلى حضور أكبر في المنطقة، وكما أبعد التحرك السوفياتي بداية الستينيات (1961–1962) شبح السقوط عن نظام حكم كاسترو في كوبا وأخرج أمريكا من الفضاء الاستراتيجي الكوبي، فبإمكان تحرك الدب الروسي أن يكون إعلانا عن انكفاء أمريكي، وهكذا تذهب التقديرات، والأيام القادمة حبلى بالأحداث.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC