لا يخفي الزعماء الأوروبيون رفضهم وقلقهم حيال أي اتفاق يبرمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب الأوكرانية.
ويعتبر زعماء القارة العجوز أن الصفقة المنتظرة "لن يكتب لها النجاح دون إشراك جميع الأطراف لضمان استدامتها".
ووصفت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الصفقة بـ"القذرة".
صدر أحدث تصريح أوروبي رافض للصفقة عن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الذي قال إن أوكرانيا يجب ألّا تتنازل عن كل الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وفق خطة ترامب، واصفًا ذلك بـ"الاستسلام".
وأوضح الوزير الألماني في تصريحات لقناة "ARD"، أن "ما تم طرحه هناك، كان يمكن لأوكرانيا أن تحصل عليه قبل عام تقريبًا، من خلال استسلام كامل"، في إشارة إلى اقتراح ترامب بالسماح لموسكو بالسيطرة على القرم وتجميد خط المواجهة الحالية، وهو ما يعني اعترافًا "بحكم الأمر الواقع" بسيطرة روسيا على مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا الأوكرانية.
وكان البرلمان الأوروبي قد اتهم إدارة ترامب بمحاولة "ابتزاز" أوكرانيا للقبول بوقف إطلاق نار يصب في مصلحة روسيا، محذرًا من أن أي اتفاق يتم التفاوض عليه دون مشاركة أوروبا سيكون "خطيرًا وغير مثمر".
ومن المعروف أن هذه المواقف الأوروبية الرافضة لأي "صفقات منفردة" نابعة من تهميش ترامب للقارة، المعنية أكثر بالأمن الإقليمي.. ولكن ما سبب هذا التهميش؟.
يرى خبراء أن تهميش ترامب للقارة مسألة معقدة يتداخل فيها المزاج الشخصي للرئيس الأمريكي، مع قضايا استراتيجية وأيديولوجية تلعب دورًا في هذا السياق.
وفيما يتعلق بالمزاج الشخصي، فإن ترامب يفضّل الصفقات المباشرة التي تتيح له التحكم والسيطرة وهوامش للمناورة، بدل التحالفات الجماعية التي يغيب خلالها "نزوعه الشخصي للانتصار"، بحسب خبراء.
يضاف إلى ذلك، أن ترامب، وعلى عكس الزعماء الأمريكيين السابقين، لا يرى في الاتحاد الأوروبي شريكًا تقليديًا موثوقًا لبلاده، بل يعتبره منافسًا اقتصاديًا و"كيانًا بيروقراطيًا ضعيفًا"، كما أظهر في ولايته الأولى خصومة مع بعض زعماء القارة، مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل.
كما أن ترامب، وفي مختلف تصريحاته، يشكو من أن الاتحاد الأوروبي يستغل أمريكا تجاريًا، ويبتزها أمنيًا من خلال الاستفادة المجانية من مظلة الناتو، معتبرًا أن بلاده تتحمل العبء الأكبر في الإنفاق على الحلف، مقابل إنفاق أوروبي ضئيل.
ويرى الخبراء أن أسباب التهميش لا تتوقف على ما سبق، بل أن ترامب، الذي وعد في حملاته الانتخابية بتقليص الحضور العسكري الأمريكي في العالم، بما في ذلك أوروبا، لما يشكله من عبء اقتصادي، يعتقد أن أي صفقة مباشرة مع روسيا قد تحقق مثل هذا الهدف.
وتنفيذًا لوعوده الانتخابية، فإن ثمة سبب آخر لتهميش ترامب لأوروبا، وهو أن إشراك دول القارة سيُعقّد العملية، ويُطيل أمد التفاوض، في الوقت الذي يطمح فيه "رجل الصفقات" إلى "سلام سريع" في أوكرانيا كي يبرهن لناخبيه بأنه ملتزم بتنفيذ تعهداته الانتخابية، وهو ما يعني أن ترامب يطمح إلى اختزال تعقيدات الحرب الأوكرانية وتحقيق "مكاسب شخصية" انتخابية ودبلوماسية، حسب خبراء.
وفي ظل هذا التهميش، وشكوى الاتحاد الأوروبي من أن مقترحات ترامب للسلام تفتقر إلى الشفافية والتنسيق، فإن إتمام الصفقة سيضع أوروبا أمام خيارات صعبة.
ويرى خبراء ومتابعون أن الاتحاد الأوروبي سيتحرك، عندئذ، منفردًا عبر رفض الاعتراف بأي اتفاق سلام لا يلبي شروط ومطالب كييف، وسيواصل التعامل مع أوكرانيا كدولة ذات سيادة بحدود عام 1991 عندما استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق.
ومن المرجح أن تستمر أوروبا في تسليح وتدريب الجيش الأوكراني حتى بعد الإعلان عن الاتفاق المحتمل، كما ستلجأ إلى دعم كييف أمنيًا واستخباراتيًا، سرًا أو علنًا، خاصة إذا رأت أن "الصفقة مجحفة" بحق جارتها أوكرانيا.
ومن المرجح كذلك أن يواصل الاتحاد الأوروبي ضغوطاته في مسألة العقوبات، بشكل منفصل عن السياسة الأمريكية، وهو ما سيعمق الشرخ بين ضفتي الأطلسي، ليس فقط في الملف الأوكراني، بل في ملفات وقضايا دولية أخرى، وفقًا لمراقبين.
ومن المتوقع، في ظل أي صفقة لا تحظى بمباركتها، أن تُسرّع أوروبا في تعزيز أمنها الدفاعي، وهو الملف الذي أخذ حيزًا واسعًا من اهتمام الأوروبيين منذ بدء الحرب الأوكرانية، والذين لا يخفون قلقهم من طموحات بوتين.
ويرى الخبراء أن خطة ترامب قد تدفع الاتحاد الأوروبي، إلى طرح خطط بديلة بالتنسيق مع كييف وبالتعاون مع حلفاء آخرين، والعمل على استثمار المحافل الدولية والمؤسسات الأممية لرفض شرعية الصفقة.
ويحذر الخبراء من أن هذه الخيارات الأوروبية المكلفة قد تحدث انقسامًا داخل القارة، فبعض الدول الأوروبية كالمجر وربما سلوفاكيا، قد تميل إلى قبول خطط ترامب، في مقابل المحور الآخر الذي تتزعمه برلين وباريس الرافضتان لأي صفقات منفردة تقوض أمن القارة، وتمنح موسكو نفوذًا أقوى، قد يفتح شهيتها للمزيد من التوسع في القارة.