توقع خبراء مختصون في الشؤون الأوروبية والأوكرانية 3 سيناريوهات محتملة في حال وقوع خلاف علني بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن اتفاق السلام الذي يطرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وبحسب تصريحات خبراء لـ"إرم نيوز"، يتمثل السيناريو الأول في تمسك أوروبي، بقيادة فرنسا وألمانيا، بدعم كييف ومواصلة تقديم الدعم المالي والعسكري لها، أما السيناريو الثاني، فيتمثل بمحاولة واشنطن فرض الاتفاق عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على أوكرانيا وتهديدها بقطع المساعدات العسكرية والمالية لإجبارها على قبول الاتفاق، أما السيناريو الثالث، فهو تصدع العلاقة بين "ضفتي الأطلسي" (أمريكا وأوروبا)؛ ما قد يؤدي إلى استقلال أوروبا بشكل أكبر عن الولايات المتحدة في قضايا الدفاع والأمن، مع الاعتماد على الجيش الأوروبي المشترك الذي يتم العمل على تجهيزه.
وأوضح الخبراء أن التصريحات الأخيرة لرئيسة المفوضية الأوروبية بشأن دعم كييف للتوصل إلى "سلام عادل"، بعدما أعلن ترامب قرب التوصل إلى اتفاق، تمثل تحفظًا أو رفضًا للصيغة الأمريكية المطروحة.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد أكدت في بيان على منصة "إكس" أن كييف يمكنها الاعتماد على دعم الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى سلام عادل ودائم عبر المفاوضات، مضيفة: "ستقف أوروبا دائمًا إلى جانب أوكرانيا في سعيها لإحلال السلام".
وتزامنت هذه التصريحات مع إعلان ترامب عن التوصل إلى اتفاق مبدئي حول معظم النقاط الرئيسة في التسوية بين روسيا وأوكرانيا، مشيرًا إلى قرب التوصل إلى اتفاق شامل.
ويرى الخبير المتخصص في الشأن الأوكراني، الدكتور خليل عزيمة، أن تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية بالتزامن مع إعلان ترامب، يعد مؤشرًا قويًا على تحفظ الاتحاد الأوروبي وربما رفضه للصيغة الأمريكية المرتقبة للسلام، مشيرًا إلى أن استخدام مصطلح "سلام عادل" لم يكن عشوائيًا، بل تأكيدًا على ضرورة احترام السيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها، وأن أوروبا لن تضغط على كييف للقبول بأي اتفاق لا يلبي تطلعاتها.
وأكد عزيمة في تصريحاته لـ"إرم نيوز" أن الاتفاق الذي يرعاه ترامب قد لا يحظى بقبول أوروبي كامل، وربما يؤدي إلى شرخ بين الجانبين إذا تم فرضه دون موافقة كييف. واستعرض 3 سيناريوهات محتملة في حال وقوع خلاف علني بين واشنطن والأوروبيين حول الاتفاق:
السيناريو الأول: تمسك أوروبي، بقيادة فرنسا وألمانيا، بدعم كييف خارج إطار الاتفاق الأمريكي، مع مواصلة تقديم الدعم المالي والعسكري لها، حتى لو أبرمت واشنطن اتفاقًا منفردًا مع موسكو. وقد تنشأ مبادرات "أوروبية–أوكرانية" للتفاوض حول "سلام أوروبي بديل" أكثر تشددًا مع روسيا، رغم مخاطر ذلك على تماسك الموقف الغربي، واحتمال استغلال روسيا لهذا الانقسام.
السيناريو الثاني: محاولة واشنطن فرض الاتفاق عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على كييف، بتهديدها بوقف الدعم العسكري والمالي؛ ما قد يضعف صمود أوكرانيا ميدانيًا. وفي هذه الحالة، سيكون على الاتحاد الأوروبي إما زيادة دعمه لتعويض الفراغ الأمريكي أو الدخول في مواجهة سياسية مفتوحة مع واشنطن.
السيناريو الثالث: تصدع العلاقة عبر ضفتي الأطلسي؛ ما قد يعزز توجه أوروبا نحو الاستقلال الدفاعي عن الولايات المتحدة عبر دعم إنشاء جيش أوروبي مشترك وزيادة تمويل مشاريع الدفاع الذاتي، وهو ما قد تستغله روسيا والصين لتعزيز نفوذهما الدولي.
وأشار عزيمة إلى أنه في حال رفض كييف الاتفاق الأمريكي وواصلت القتال بدعم أوروبي، فقد تدخل الحرب مرحلة جديدة قد تطول لسنوات إضافية. أما إذا قبلت الاتفاق، طوعًا أو تحت الضغط، فقد نشهد نهاية سريعة للنزاع، ولكن بثمن سيادي كبير تدفعه أوكرانيا، وهو احتمال مستبعد في ظل الموقف الأوروبي الحالي.
من جهته، قال الخبير في الشؤون الأوروبية، حبيب شباط، إن الاتحاد الأوروبي الذي تفاعل منذ بداية الأزمة مع كييف، سيواصل تقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي لها، معتبرًا أن أوكرانيا تتقاسم مع أوروبا قيم الحرية والديمقراطية.
وأضاف شباط في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض قد يعمق الفجوة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعدما فقد الأوروبيون الثقة بالولايات المتحدة كحليف موثوق به لحمايتهم من التهديدات الروسية.
وأوضح شباط أن ترامب يسعى بشكل قوي إلى إنهاء الحرب وفق شروط يحددها هو، دون منح موسكو أو كييف أو حتى الأوروبيين فرصة كبيرة للتأثير على النتائج، معتبرًا أن ترامب يستخدم الأزمة الأوكرانية للتشويش على الانتقادات المتعلقة بسياسته الاقتصادية، خاصة فرض الرسوم الجمركية.
وأشار إلى أن الأوروبيين لا يريدون لعب دور المتفرج، خصوصًا أن الحرب تدور على حدودهم، وهم في سباق مع الزمن لملء الفراغ الأمني الذي قد تتركه الولايات المتحدة، عبر تعزيز قدراتهم الدفاعية وضخ استثمارات ضخمة في مشروع الجيش الأوروبي.
وختم شباط بالقول إن الأوروبيين يسعون لضمان ألا تخرج روسيا من النزاع أكثر قوة أو أن يؤدي ذلك إلى انقسام أوروبي يضعف القارة العجوز ويجعلها عرضة للتهديدات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية.