logo
العالم

"ماغا" تعبر الأطلسي.. موجة يمينية أمريكية تهدد "القارة العجوز"

شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً" المصدر: (أ ف ب)

تحول شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا" (ماغا)، الذي رفعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حملته الانتخابية واستعاره من أحد أسلافه وهو رونالد ريغان، إلى عقيدة سياسية عبرت الأطلسي لتنتشر في أوروبا.

ولم يدر في خلد ترامب نفسه أن هذا الشعار، الذي استخدم كأداة لجذب ناخبين أمريكيين محبطين وناقمين على سياسات بلادهم، سيمتلك كل هذه الرمزية "السحرية والملهمة"، بحسب وصف خبراء.

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب

"انتصارات ماغا 2025".. تحصيل 235 مليار دولار من رسوم ترامب الجمركية

عابر للحدود

ويلاحظ عدد من منظّري السياسة، أن خطاب "ماغا" تجاوز كونه شعارا انتخابيا، ليصبح تعبيرا عن نزعة شعبوية عابرة للحدود، تقوم على تمجيد السيادة، والتشكيك في المؤسسات فوق الوطنية، ومعاداة الهجرة، والدفاع عن القيم الاجتماعية المحافظة...

ومن أبرز من ناقش هذه التصورات هو الباحث والمنظر الأمريكي المعروف، فرانسيس فوكوياما، من خلال كتاباته حول "الترامبية" و"الشعبوية" في الولايات المتحدة، إذ رأى أن هذا النمط من الخطاب بات قابلا للتصدير والتكيف مع السياقات الأوروبية.

وكان من البديهي، بحسب خبراء، أن يسعى المناصرون لـ"ماغا" إلى تصدير أجندتهم، التي اكتسبت صفة المشروع السياسي، إلى خارج الولايات المتحدة، وتحديدا إلى أوروبا التي صاغت نسختها الخاصة "لنجعل أوروبا عظيمة مجددا" والتي تختصر في "ميغا".

ويحاجج الخبراء بأن الأمر لا يختزل في مجرد نقل الشعار من بيئة إلى أخرى، بل يمثل تحولا نوعيا يستثمره اليمين الأوروبي لتعزيز نفوذه في القارة، ومن ثم التأثير في توجهات صناع القرار، ما يعني أن هذا التماهي بين تيار "ماغا" الأمريكي ونظيره الأوروبي لم يكن مفاجئا وطارئا، بل جزءا من تغيرات أعمق تشهدها الساحة السياسية على ضفتي الأطلسي.

خطوات عملية

وفقا لما سبق، لم يعد تأثير "ماغا" على أوروبا مجرد "استلهام رمزي" محدود التأثير أو تكهنات لمحللين، بل اتخذ شكل خطوات عملية، إذ يظهر اسم مؤسسة التراث الأمريكية (The Heritage Foundation) كأحد أهم الجهات التي تعمل على تصدير أجندة اليمين الأمريكية إلى أوروبا.

هذه المؤسسة، التي تعد واحدة من أبرز مراكز الأبحاث "المحافظة" في واشنطن، تسعى إلى توسيع نفوذها في القارة عبر بناء شبكة علاقات مع أحزاب وحركات يمينية، وذلك من خلال المشاركة في فعاليات واجتماعات متعددة، واستغلال صعود اليمين الأوروبي للترويج لقيم مشابهة لما تطرحه "ماغا" في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.

وتفيد تقارير إعلامية بأن المؤسسة عقدت خلال الأشهر الفائتة سلسلة اجتماعات رسمية مع أعضاء في البرلمان الأوروبي، إذ يحتفظ فيه اليمين، بمختلف أطيافه، بنحو 230 مقعدا من أصل 720 مقعدا.

وعلاوة على ذلك، عقدت المؤسسة لقاءات غير رسمية مع نواب ومنظمات يمينية في أوروبا، بينهم ممثلون عن حزب "إخوة إيطاليا" بقيادة جورجيا ميلوني، وحزب "التجمع الوطني" الفرنسي.

وتنقل تقارير عن مسؤولين في المؤسسة قولهم إن "هذه الاجتماعات لا تقتصر على تبادل الآراء، بل تهدف إلى نقل الخبرات وصياغة مقاربات سياسية قابلة للتطبيق".

وتعاونت المؤسسة الأمريكية مع مراكز بحث يمينية أوروبية في المجر وبولندا وغيرهما وهو ما يعكس محاولات واضحة لتصدير التجربة السياسية الأمريكية إلى السياق الأوروبي.

ويعتبر الخبراء أن "هذا النوع من التعاون العابر للحدود يعكس سعيا لتوحيد الخطاب المحافظ في مواجهة الاتحاد الأوروبي، وغيرها من المؤسسات "فوق وطنية".

وفي مجال الإعلام، برزت خطوات لتعزيز التحالف بين "ماغا" و"ميغا"، ففي بولندا، أعلنت قناة يمينية مثل "TV Republika" عن خطة لإطلاق قناة باللغة الإنجليزية بدعم مستثمرين مرتبطين بحركة "ماغا" الأمريكية، بهدف نشر خطاب قومي وشعبوي في القارة الأوروبية، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

ويشير التقرير إلى أن القناة تسعى لملء "فجوة" في الإعلام المحافظ الموجّه للأوروبيين، فهي لا تكتفي بنقل الأخبار، بل تستثمر التنسيق الأيديولوجي مع "ماغا" للتأثير في الرأي العام الأوروبي.

استنساخ التجربة الأمريكية

هذه الموجة اليمينية الأمريكية التي تجتاح القارة العجوز شجعت تياراتها اليمينية على استغلال قضايا الهجرة والأزمات الاقتصادية وتداعيات الحرب الأوكرانية، لإعادة رسم خطاب يتحدى النخب السياسية الحاكمة والأحزاب والمؤسسات التقليدية، في محاولة لاستنساخ التجربة الأمريكية بتكتيكات محلية.

ويلاحظ الخبراء أن هذه التيارات اليمينية سرعان ما حازت نوعا من الشرعية داخل المشهد السياسي الأوروبي، إذ حققت بالفعل نجاحات عبر صناديق الاقتراع تعكسها النتائج "المذهلة" التي سجلتها في الانتخابات في أكثر من بلد أوروبي من فرنسا إلى إيطاليا والنمسا وألمانيا...

وأصبحت التابوهات التي كانت محظورة في القارة، مثل الخطاب المعادي للهجرة وازدراء بعض الشعائر الدينية، ورفض الثقافات المختلفة، مألوفة وخاضعة للنقاش في الفضاء العام.

ويشير الخبراء إلى أن "اليمين الأوروبي أصبح أكثر جرأة في تبني خطاب قومي متشدد، مستلهما تجربة "ماغا"، وأفكار ترامب في كسر المحرمات السياسية، إذ تعتبر التيارات اليمينية الأوروبية أن نموذج ترامب يمكن أن يكون مرجعية في مواجهة السياسات التقدمية أو الليبرالية.

أخبار ذات علاقة

مهاجرون يحاول الوصول إلى دول أوروبية

"الهجرة" بين السياسة والقيم.. هل تستسلم أوروبا لنفوذ اليمين المتطرف؟

أفكار منغلقة

وبهذا المعنى فإن محاولات "ماغا" للامتداد خارج بيئتها الأمريكية أكثر تشعبا مما يعتقد، فهي عبارة عن شبكة تأثير متكاملة تجمع بين الدعم الرمزي والسياسي والإعلامي والخبرة التنظيمية والمؤسسية لتشكل نموذجًا جديدا للتفاعل بين التيارات الشعبوية عبر الأطلسي

ويحذر خبراء من أن هذه الشبكات من التأثير والضغط تمكن التيارات اليمينية في القارة من تعزيز خطابها السياسي التحريضي وزيادة شرعيتها في مواجهة السياسات الليبرالية التقليدية، وهو ما يهدد استقرار الحكومات الأوروبية.

ويلفت الخبراء إلى أن هذا التهديد المستقبلي للنظام السياسي الأوروبي، أدى إلى ظهور تحفظات لدى النخبة السياسية الأوروبية حول تأثير "ماغا" على السياسات المحلية، معتبرين أن "هذا التداخل بين "ماغا" و"ميغا" يثير المخاوف من تدخلات غير مرغوبة في الشأن الأوروبي".

وبهذا المعنى، فإن عبور "ماغا" للأطلسي يشكل مجموعة من المخاطر والتهديدات للحكومات الأوروبية، إذ يقوض استقرارها ويضعف التحالفات والائتلافات الحكومية التقليدية، ويسهم في تعميق الانقسامات المجتمعية واستهداف المهاجرين والأقليات، وتعزيز القيم المحافظة على حساب الحريات الفردية.

وتذهب بعض التحليلات إلى أبعد من ذلك، إذ ترى أن التقارب بين "ماغا" و"ميغا" أسهم في إضعاف الشراكة عبر الأطلسي، التي مثلت لعقود عنوانا للتحالف المثمر الذي بات مهددا بأفكار "منغلقة" يتغنى بها اليمين بنسختيه الأوروبية والأمريكية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC