logo
العالم
خاص

بين واشنطن وأوروبا.. هل تعرقل عقدة الضمانات مسار التسوية في أوكرانيا؟

جولة سابقة من المفاوضات الأمريكية الأوكرانية في فلوريداالمصدر: رويترز

حتى وإن لم تُظهِر اجتماعات ميامي الأخيرة اختراقاً سياسياً كبيراً في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، فإنها كشفت بوضوح عن تحوّل لافت في مركز الثقل التفاوضي.  

أخبار ذات علاقة

علما أوكرانيا وروسيا على طاولة مباحثات سابقة

تفاهم دون تقدم ملموس.. هل ترسم محادثات ميامي ملامح تسوية للحرب الأوكرانية؟

وبدا أن الإشكال الحقيقي في الاجتماعات الأخيرة، التي قال المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إنها كانت مثمرة، يتشكّل داخل المعسكر الغربي نفسه، وتحديداً عند الخط الفاصل بين المقاربة الأمريكية والمقاربات الأوروبية المتباينة، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية أمريكية لـ"إرم نيوز".

الخطة الأمريكية وحدود القبول

التوصيف المتكرر للمحادثات بأنها "مثمرة وبنّاءة" بحسب ويتكوف؛ يعكس محاولة أمريكية واعية لتثبيت إطار تفاوضي واحد، ثم اختبار ردود الفعل عليه. 

وبات واضحاً أن هذا الإطار يحظى بقبول روسي مبدئي طالما بقي ضمن حدوده الأصلية، بينما يواجه تحفظات أوروبية متزايدة كلما جرى الحديث عن تحويله إلى تسوية طويلة الأمد.

الإطار الأمريكي المتمثل بالخطة ذات النقاط العشرين، والذي دارت حوله اجتماعات ميامي، تعتبر المصادر الأمريكية أنه بات يُشكّل مرجعية عملية تشكّلَت خلال الأسبوعين الماضيين. 

ويقوم هذا الإطار، الذي انطلق أساساً من مقاربة أمريكية لإدارة الصراع وتجميده، على تثبيت خطوط السيطرة، وضمانات أمنية غير تصعيدية، ومسار اقتصادي طويل لإعادة إعمار أوكرانيا. 

موسكو، وفق هذا المنطق، لا تنظر إلى الصيغة بوصفها تهديداً مباشراً لأمنها، وفق ما أكدته المصادر الأمريكية؛ وإنما تنظر إليها كأرضية قابلة للتعامل طالما بقيت ضمن حدودها الأصلية ولم تُعدْ صياغتها تحت ضغط تعديلات إضافية.

الريبة الأوروبية وحدود التسوية

في المقابل، تنظر عواصم أوروبية عديدة إلى هذه الصيغة بقدر أكبر من الريبة، فالقضية بالنسبة لأوروبا لا تتعلق فقط بإنهاء القتال في أوكرانيا، وإنما بتفادي تكريس سابقة سياسية قد تعود بتداعياتها على الأمن الأوروبي لاحقاً، وفق ما يكشفه مصدر دبلوماسي أوروبي، تحدث لـ"إرم نيوز" من بروكسل.

هنا تحديداً يبدأ التباين، فالإصرار الأوروبي على توسيع الضمانات الأمنية، وإضفاء طابع أكثر صلابة واستمرارية عليها، لا يُنظر إليه في موسكو كتحسين تقني للخطة، بل كتعديل جوهري يغيّر توازنها ويعيدها إلى مربع التصعيد المؤجَّل.

ويضع هذا التناقض إدارة دونالد ترامب في موقع معقّد، بحسب ما لفتت إليه المصادر الدبلوماسية الأمريكية. 

من جهة، تسعى واشنطن إلى تحقيق إنجاز سياسي سريع نسبياً يخفّف عبء الحرب ويعيد ترتيب الأولويات الدولية، ومن جهة أخرى، تجد نفسها أمام حلفاء يخشون أن يكون أي اتفاق غير مشروط بداية مرحلة عدم استقرار أطول، وليس نهاية للحرب.

لذلك، بدا التركيز الأمريكي في ميامي منصبّاً على "الأطر الزمنية" وتسلسل الخطوات، في محاولة لضبط الإيقاع الأوروبي قبل أن يتحوّل إلى عامل تعطيل بنيوي.

في هذا السياق، تبدو أوكرانيا عالقة بين مقاربتين؛ فهي تحتاج إلى الضمانات الأوروبية لتأمين مستقبلها الأمني، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن المسار الأمريكي هو الطريق العملي الوحيد المتاح حالياً لوقف الحرب. 

واشنطن وإدارة الإيقاع التفاوضي

المصادر الدبلوماسية الأمريكية أكدت خلال حديثها لـ"إرم نيوز" أن اللقاءات الأخيرة التي عُقدت مع الوفدين الأوكراني والأوروبي جاءت ضمن مسار عملي هدفه ضبط الإيقاع السياسي للمفاوضات، وتحديد ما يمكن إنجازه خلال المرحلة القريبة. 

أخبار ذات علاقة

زعماء أوروبيون والمبعوثان الأمريكيان خلال محادثات السلام

"الخيار الثالث".. خرائط النفوذ تعرقل إنهاء حرب أوكرانيا

وأضافت المصادر أن واشنطن دخلت الاجتماعات وهي تدرك أن عليها أن تمنع اتساع الخلافات، وألا تخرج عن الإطار الأمريكي العام الذي جرى التوافق عليه، موضحةً أن ما جرى كان أقرب إلى إعادة تنظيم للنقاش وتحديد أولويات قابلة للتنفيذ، وليس إعادة تفاوض شاملة على المبادئ.

وتابعت أن الجانب الروسي، وفق ما نُقل إلى واشنطن عبر القنوات المختلفة، لا يمانع الإطار الأمريكي بصيغته الأساسية، خصوصاً في ما يتعلق بتجميد خطوط السيطرة والانخراط في مسار طويل لإعادة الإعمار، لكنه يبدي حساسية واضحة تجاه أي تعديلات تُدخل التزامات أمنية إضافية ذات طابع دائم أو قانوني موسّع، معتبراً أن مثل هذه التعديلات تغيّر طبيعة التفاهمات التي بُني عليها المسار أصلاً.

الخلاف الأوروبي في قلب المفاوضات

كذلك أوضحت المصادر أن الخلاف الحقيقي الذي برز في اجتماعات ميامي كان مع بعض المقاربات الأوروبية، مشيرةً إلى أن عدداً من العواصم الأوروبية يدفع باتجاه ضمانات أمنية أكثر تفصيلاً واستمرارية، انطلاقاً من مخاوف تتجاوز الحالة الأوكرانية إلى الأمن الأوروبي ككل، وهو ما يضع واشنطن أمام معادلة دقيقة بين طمأنة الحلفاء وعدم تعطيل المسار التفاوضي.

وأضافت أن الإدارة الأمريكية تتفهم هذا القلق الأوروبي، لكنها ترى أن تحويل ملف الضمانات إلى نقاش مفتوح بلا سقف زمني قد يؤدي عملياً إلى تجميد أي تقدم، مؤكدةً أن الهدف من التركيز على الأطر الزمنية وتسلسل الخطوات هو منع بقاء الجميع في دائرة تفاوضية مغلقة من دون التزامات واضحة.

وتابعت أن واشنطن ترى أن نجاح المسار الحالي لا يتوقف فقط على الموقف الروسي، بل على قدرة المعسكر الغربي على توحيد مقاربته، محذرةً من أن تضارب الرسائل الغربية قد يمنح موسكو هامش مناورة أوسع، ويُضعف قدرة الولايات المتحدة على إدارة الملف وفق جدول زمني واضح.

اختبار نيات موسكو

من جانبه قال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"إرم نيوز" إن باريس تنظر إلى إبداء روسيا استعدادها للحوار مع فرنسا باعتباره تطوراً سياسياً ينبغي التعامل معه بقدر عالٍ من الحذر والواقعية، موضحاً أن الترحيب الفرنسي لا يعني تغييراً في الموقف المبدئي، ولكنه يعكس قناعة بضرورة إبقاء قنوات التواصل مفتوحة في مرحلة دقيقة من مسار الحرب.

وأضاف أن فرنسا لا ترى في استئناف التواصل مع موسكو مكافأة سياسية، وإنما أداة لإدارة المخاطر ومنع سوء التقدير، مشيراً إلى أن التجربة خلال السنوات الماضية أظهرت أن غياب الحوار لا يؤدي بالضرورة إلى تعديل السلوك، بل قد يزيد من احتمالات الانزلاق غير المحسوب.

وأشار المصدر إلى أن فرنسا تشاطر التقييم القائل إن هذه الجولة لم تُنتج اختراقاً حاسماً، لكنها ساهمت في توضيح خطوط الخلاف وحدود الممكن سياسياً، وهو ما تعتبره باريس شرطاً ضرورياً لأي تقدم لاحق، حتى لو كان تدريجياً وبطيئاً.

وبيّن أن الموقف الفرنسي يقوم على الفصل بين مبدأ الحوار ومضمون التنازلات، مؤكداً أن التواصل مع روسيا لا يعني القبول بالأمر الواقع أو التسليم بنتائج الحرب، لكنه يهدف إلى اختبار نيات موسكو، وفهم مدى استعدادها للانتقال من منطق إدارة الصراع إلى منطق تقليصه.

وأوضح أن فرنسا تدرك في الوقت نفسه ضرورة الحفاظ على تنسيق وثيق مع واشنطن، معتبراً أن المقاربة الأمريكية الحالية تشكّل الإطار العملي الوحيد المتاح في هذه المرحلة، لكن ذلك لا يمنع باريس من لعب دور مكمّل، خصوصاً في ما يتعلق بإدارة قنوات الاتصال السياسية مع موسكو.

تثبيت المكاسب

من ناحيته اعتبر الباحث السياسي الروسي ألكسي غروموف، المتخصص في شؤون السياسة الخارجية الأوروبية والأمن الدولي، أن التطورات الأخيرة في المسار التفاوضي تعكس تحوّلاً في طريقة إدارة الصراع أكثر مما تعكس تحوّلاً في موازين القوى. 

أخبار ذات علاقة

المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف

الكرملين: روسيا لا تسعى للسيطرة الكاملة على أوكرانيا

وأضاف غروموف خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن توصيف جولة المحادثات الأخيرة بأنها "مثمرة" يجب فهمه ضمن السياق الدبلوماسي؛ إذ إن الإثمار الحقيقي من وجهة النظر الروسية يتمثل في بقاء الإطار التفاوضي بعيداً عن منطق الإملاءات أو الضمانات ذات الطابع الدائم.

ورأى أن أي محاولة أوروبية لتوسيع مضمون الضمانات الأمنية ستُقرأ في موسكو كإعادة إنتاج للصراع بصيغة مؤجلة، لا كخطوة نحو الاستقرار.

وتابع أن روسيا تتعامل مع المسار الحالي كمساحة لإدارة الوقت وإعادة ترتيب الأولويات، خصوصاً في ظل تقديرات ترى أن الغرب نفسه لم يحسم بعد شكل التسوية التي يريدها. 

وبرأيه، فإن موسكو تراهن على التباينات الغربية، لتفادي اتفاق يُفرض عليها من موقع ضعف نسبي.

هاجس الضمانات طويلة الأمد

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الأوكراني، أوليكساندر مارشينكو، أن أوكرانيا تنظر إلى هذا المسار كخيار اضطراري لتقليص الخسائر، وليس كبديل عن ضمانات حقيقية لأمنها على المدى الطويل. 

أخبار ذات علاقة

مساعدي الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف

الكرملين: تغييرات أوروبا وأوكرانيا على خطة واشنطن لم تحسن فرص السلام

وأضاف خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن الإشكالية الأساسية من وجهة النظر الأوكرانية تكمن في غياب وضوح حول ما سيترتب على هذا الحوار؛ فالتجميد المؤقت للصراع، من دون آليات ردع واضحة، قد يترك أوكرانيا في حالة هشاشة دائمة، وهو ما يفسّر إصرار كييف على دور أوروبي فاعل في ملف الضمانات.

وتابع أن أوكرانيا تجد نفسها بين مقاربتين: "مقاربة أمريكية تركّز على الممكن سياسياً، ومقاربة أوروبية تسعى إلى منع تكرار الأزمة مستقبلاً". 

وختم مارشينكو بالقول إن الحوار الجاري ينبغي النظر إليه كبداية مرحلة جديدة أقل عنفاً وأكثر تعقيداً، محذّراً من أن أي تسوية لا تعالج جذور الصراع ستبقى مؤقتة، وقابلة للانفجار عند أول اختبار جدي.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC