logo
العالم

"الرمح الجنوبي" 2025.. ترامب يُحيي مبدأ مونرو لقطع أذرع موسكو وبكين

الرئيس الأمريكي دونالد ترامبالمصدر: أ ف ب

دخلت خطة الرئيس دونالد ترامب لاستعادة السيطرة على "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة حيز التنفيذ السريع مع مطلع عام 2025؛ حيث وضع حدًّا لِما وصفه بـ"العبث الدولي" في دول أمريكا اللاتينية، معيدًا ترسيخها كمنطقة هيمنة خالصة لواشنطن.

وتستند إستراتيجية ترامب في مرجعيتها السياسية إلى "مبدأ مونرو" الشهير، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو قبل أكثر من قرنين (عام 1823).

فبينما كان الهدف في بدايات القرن التاسع عشر هو طرد النفوذ الاستعماري الأوروبي، يأتي "إنعاش" هذا المبدأ في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين كحائط صد منيع في وجه التغلغل الروسي والصيني المتزايد، في رسالة حازمة مفادها أن القارة الجنوبية ستظل حصنًا للنفوذ الأمريكي غير قابل للقسمة مع القوى الكبرى المنافسة.

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب وكيم جونغ أون

ترامب ومادورو.. هل تتكرر "دبلوماسية كيم" في أمريكا اللاتينية؟

"مبدأ مونرو"

وفي ظل سعيه لإحياء "مبدأ مونرو" برؤية عصرية تتماشى مع المستجدات الإستراتيجية، تحرك الرئيس دونالد ترامب لقطع الطريق أمام أي تمدد لنفوذ موسكو وبكين في القارة اللاتينية. واعتمد الرئيس الجمهوري إستراتيجية المواجهات غير المباشرة لإخضاع دول المنطقة، مغرزًا "مسامير" سياسية وأمنية في كل بلد، بدءًا من المكسيك والبرازيل وصولًا إلى كوبا ونيكاراغوا.

إلا أن التصعيد الأبرز الذي وصل إلى حافة المواجهة العسكرية كان من نصيب فنزويلا؛ فبينما اتخذ الصدام من "مكافحة المخدرات" واجهة أخلاقية وقانونية، كشفت التصريحات والتحركات الأمريكية أن الهدف الجوهري يكمن في السيطرة على قطاع النفط الفنزويلي، الذي يمتلك أكبر احتياطي خام في العالم. وبذلك، تحولت فنزويلا إلى ساحة اختبار رئيسية لعقيدة ترامب في تأمين موارد الطاقة وتحييد المنافسين الدوليين في "الحديقة الخلفية" لواشنطن.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في بداية 2025،  ذهب في مخططه نحو فنزويلا التي تعتبر بابًا رئيسيًّا للحضور الصيني والروسي، والتي تصدر 80% من نفطها إلى بكين، ليفرض عقوبات على شخصيات عسكرية وسياسية بارزة في كراكاس، ومضاعفة المكافأة الخاصة بالإدلاء بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس نيكولاس مادورو إلى 50 مليون دولار، لتنشر بعد ذلك واشنطن أسطولًا كبيرًا في منطقة البحر الكاريبي وتقوم بضربات على قوارب صيد قالت إنه يشتبه في تهريبها للمخدرات؛ ما أسفر عن مقتل 199 شخصًا، ليعلن بعد ذلك ترامب الحصار على شواطئ كراكاس مستهدفًا الناقلات الكبيرة المحملة بالنفط الفنزويلي.

من "الرمح الجنوبي" إلى الحصار الشامل

ومن أبرز أشكال التصعيد نحو نفط فنزويلا من جانب الرئيس الأمريكي احتجاز الناقلة المحملة بالوقود في البحر الكاريبي في الـ10 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري بعد عملية إنزال عسكري عليها.

وأرجع ترامب ذلك إلى أن كراكاس استولت بشكل غير قانوني على ممتلكات أمريكية، بعد أن "طردت" شركات بلاده من فنزويلا، وأن نظام مادورو أخذ ما سمّاه بـ"النفط الأمريكي" وأنه يعمل على استعادته، وإعادة الشركات الأمريكية التي طردت من هناك.

واتخذ التصعيد العسكري الأمريكي ضد فنزويلا جانبًا دراماتيكيًّا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2025، حين منح الرئيس ترامب "وكالة الاستخبارات المركزية" تفويضًا واسعًا لتنفيذ عمليات سرية داخل كراكاس. واستهدفت هذه العمليات تفكيك بنية النظام من الداخل، ومحاولة استمالة قادة في الجيش لتدبير انقلاب عسكري، بالتوازي مع تأجيج الشارع السياسي لزعزعة الاستقرار الداخلي.

وشهدت الأزمة تحولًا جذريًّا في الـ14 من نوفمبر/ تشرين الثاني، مع إطلاق البيت الأبيض لعملية "الرمح الجنوبي"؛ حيث تم نشر حاملة الطائرات العملاقة "جيرالد فورد" مدعومة بقطع حربية وغواصات نووية في مياه الكاريبي.

وبلغ التوتر ذروته في الـ22 من نوفمبر/ تشرين الثاني، حين فرضت هيئة الطيران الاتحادية الأمريكية حظرًا شاملًا على الطيران في الأجواء الفنزويلية، مبررة ذلك بوجود "نشاط عسكري مكثف"، في خطوة اعتبرها مراقبون إعلانًا عمليًّا عن بدء الحصار الجوي والبحري المطبق على نظام مادورو.

واستكمل ضغط ترامب بعد فشل جانب من المفاوضات السرية مع نظام مادورو، بفرض الحصار الكامل على ناقلات النفط المتجهة من وإلى فنزويلا، والتلويح ببدء عمليات عسكرية برية قريبًا، فيما كان الاكتفاء من مجلس الأمن، بعقد جلسة طارئة حول هذه الأزمة.

أخبار ذات علاقة

عملية الرمح الجنوبي

الكاريبي على "فوهة بركان".. "الرمح الجنوبي" يدخل مرحلة حرجة (إنفوغراف)

هدف إستراتيجي

ويقول الباحث في الشأن اللاتيني، الدكتور حسان الزين، إنّ ترامب منذ يومه الأول في ولايته الثانية، متشبع بسياسة "ضمّ الأراضي"، وبموجب هذه الرؤية، يعتبر أمريكا اللاتينية، تقع ضمن ما يراه ملكًا للولايات المتحدة الأمريكية، سواء كان استنادًا إلى "مبدأ مونرو" أو إلى ما يدّعيه من سلطة وقوة.

ويرى الزين في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن أولويات ترامب تجاه أمريكا اللاتينية تتمثل في عدة أهداف، في صدارتها حاجته إلى مخزون كبير من النفط، وهو العامل الذي يحتل أهمية خاصة لدى الإدارة الأمريكية، في وقت تعتبر فيه فنزويلا عنصرًا محوريًّا في هذا الإطار، نظرًا لامتلاكها أكبر مخزون في العالم؛ ما يجعلها هدفًا إستراتيجيًّا لواشنطن التي تبحث عن مصادر طاقة قريبة من سواحلها، مقارنة بالمواقع النفطية الأخرى البعيدة جغرافيًّا.

وبين الزين أن ترامب اعتمد سردية "الإرهاب والمخدرات" بشكل واضح في خطته نحو "الحديقة الخلفية" مشيرًا إلى أن ملف المواد المخدرة لا يمكن فصله عمّا يجري داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث هناك تحدٍ داخلي كبير يتعلق بانتشار المخدرات، مرتبط بالقاعدة الاجتماعية التي ستصوّت للجمهوريين في انتخابات الكونغرس القادمة، وهو ما يريد ترامب أن يتفاعل معه ويقدم نفسه على أنه يحارب هذا الخطر.

تنظيف "الحديقة الخلفية"

وأشار الزين إلى أن ضرب النفوذ الصيني، هدف يراهن عليه ترامب في عملية تنظيف "الحديقة الخلفية" أي أمريكا الجنوبية، في ظل استثمارات ضخمة لبكين في دول عدة بالقارة اللاتينية وفي الصدارة فنزويلا والسلعة الأهم هناك هي النفط.

واستكمل الزين أن الصين تشتري من 400 إلى 500 ألف برميل نفط يوميًّا بأسعار رخيصة وبطريقة لا تعجب الولايات المتحدة المتضررة من هذه العملية؛ ما يعتبر تحديًا كبيرًا لإدارة ترامب.

وأردف أن واشنطن مع سياسة ترامب تريد امتلاك القارة اللاتينية دون تقاسم، مع العمل على إبعاد كل النفوذ البعيد عن تحقيق مصالح الولايات المتحدة، وهو ما يعتبر معركة يتمسك بها في أكثر من موقع في أمريكا الجنوبية.

أخبار ذات علاقة

فنزويلا بين فكي كماشة واشنطن و موسكو

خرائط النفوذ في أمريكا اللاتينية.. فنزويلا بين فكي كماشة واشنطن وموسكو

التصعيد على حدود المكسيك

ومن ناحية أخرى، اعتبرت حرب ترامب على الهجرة غير الشرعية وتصنيفها على أنها تهديد للأمن القومي الأمريكي، أحد فصول مواجهاته في القارة اللاتينية، وذلك بإعلان حالة الطوارئ الوطنية على الحدود مع المكسيك باستخدام قوات عسكرية وآليات حربية لمراقبة الحدود والعمل على بناء جدار، في ظل إنهائه برنامج الإقامة الإنسانية المؤقتة ووقف لم شمل الأسرة والذهاب إلى حملات ترحيل واسعة للمهاجرين من أصول لاتينية عبر طائرات عسكرية، وممارسة ضغوط على حكومات دول ينحدر منها مهاجرون، مثل: هندوراس ونيكاراغوا، وصولًا إلى فرض تعريفات جمركية على مكسيكو سيتي تجاوزت 90% لإجبارها على تشديد الرقابة الحدودية.

وما بين إخضاع دول لاتينية باستئناف العقوبات عليها وأبرزها كوبا، بالإضافة إلى فرض قيود على نيكاراغوا، كانت المواجهة مع البرازيل وذلك بتدخله في شأنها الداخلي، رافضاً الحكم القضائي الصادر على الرئيس البرازيلي السابق وزعيم اليمين المتشدد، جايير بولسونارو الذي يتم تشبيهه بـ"ترامب"، بالسجن لمدة 27 سنة، بتهمة التخطيط للانقلاب، بعد أن أثبتت المحكمة العليا ذلك.

واستخدم الرئيس الجمهوري "العصا" لإنقاذ صديقه، ليكون فرض تعريفات جمركية على برازيليا بذريعة وجود اضطهاد لـ"بولسونارو"، وتكون المواجهة الطويلة مع الرئيس البرازيلي الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC