logo
فنزويلا بين فكي كماشة واشنطن و موسكو
فيديو

خرائط النفوذ في أمريكا اللاتينية.. فنزويلا بين فكي كماشة واشنطن وموسكو

على حافة الانفجار تقف فنزويلا.. بلد أنهكته الأزمات وأثقلت سماءه غيومٌ من الغموض والضباب السياسي. 

أخبار ذات علاقة

نيكولاس مادورو ودونالد ترامب

تُركت وحيدة على جبهة أوكرانيا.. أوروبا لن تدعم ترامب في أي مواجهة مع فنزويلا

لم يعد الملف الفنزويلي مؤجلاً في أدراج واشنطن.. فالرئيس ترامب قالها بوضوح "أيام نيكولاس مادورو.. معدودة" عبارة أشعلت كل الاحتمالات .. فما الذي تغيّر في عقل واشنطن السياسي؟ وهل بات خيار الحسم العسكري أقرب من أي وقت مضى ضد النظام الفنزويلي؟

الدوافع الأمريكية.. ماذا تريد واشنطن حقاً من فنزويلا؟
مع دخول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض عادت واشنطن لتفعيل سياسة التدخل في الحديقة الخلفية "أمريكا اللاتينية"..

بحجة الديمقراطية ومكافحة أزمات المنطقة لكن الحقيقة تكمن في المصالح الاستراتيجية الضخمة وفق خبراء. 

أولاً- النفط الفنزويلي أكبر احتياطي عالمي.. هناك حلم أمريكي للسيطرة عليه وإبقاء روسيا والصين بعيداً مع فتح الباب أمام عودة الشركات الغربية إلى قلب قطاع الطاقة.

ثانياً- مواجهة النفوذ الروسي والصيني.. موسكو وبكين توسّعوا في كاراكاس ما جعل واشنطن تعيد إحياء "مبدأ مونرو" وتلوّح بخيارات عسكرية، مؤكدة دورها كـ"شرطي القارة".

ثالثاً- مكافحة المخدرات.. تعتبر كارتلات المخدرات المنتشرة بالمنطقة حجة قوية لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي، مع ضربات بحرية وجوية وقوارب مستهدفة، وتصنيف الكارتلات كمنظمات إرهابية ما أثار جدلاً واسعاً حول الحدود القانونية لهذه العمليات.

رابعاً- السياسة الداخلية الأمريكية.. فسياسيون مثل ماركو روبيو وزير الخارجية استغلوا الأزمة لتعزيز خطابهم المعادي للاشتراكية وكسب أصوات الناخبين في ولايات حاسمة معتبرين فنزويلا تهديداً للأمن القومي الأمريكي وساحة نفوذ لخصوم واشنطن.

التحوّل الجذري في موقف واشنطن

التقديرات الجديدة داخل الإدارة الأمريكية تشير إلى أن النظام الحاكم في كاراكاس وصل إلى أزمة لا يمكن تجاوزها.. لم تعد الأزمة تُقاس فقط بعدد المعارضين و المتظاهرين في البلاد ضد النظام الحاكم أو مدى انهيار الاقتصاد و العملة بل بما تخلّفه الأوضاع الداخلية لفنزويلا من فوضى تمتد إلى كامل المنطقة تشمل هجرة غير نظامية و أسواقاً سوداء وتهديدات متنامية لأمن منطقة الكاريبي بأكملها وكأنها "ثقب أسود" يبتلع استقرار المنطقة بأكملها وفق الرواية الأمريكية.

ويبدو أن النقاشات حول جدوى الضغط غير المباشر انتهت وتمت الموافقة على خطة عملياتية أولية قابلة للتنفيذ خلال أسابيع إذا لم يحدث تغيير جذري في موازين القوى داخل كاراكاس.

الزناد المسلّح.. السيناريوهات الأمريكية مقابل كراكاس

أصبح الملف الفنزويلي يقف في قلب مواجهة استراتيجية بين واشنطن وكراكاس.. الانتشار البحري والجوي قرب المياه الفنزويلية لا يبدو مجرد رسالة ضغط بل تهيئة فعلية لخيارات عسكرية مرنة تتراوح بين عمليات محدودة وخيارات هجينة أكثر صخباً بحسب خبراء..

وسائل إعلام أمريكية كشفت عن تنسيق لوجستي مع القيادة الجنوبية، وحضور وحدات استخبارات بحرية وإلكترونية تعمل على رصد وتشويش الاتصالات وتحديد مسارات الإمداد داخل البلاد، مع تحديث خرائط أهداف قادرة على تنفيذ ضربات محددة خلال 72 ساعة إن لزم الأمر.

في غرف التخطيط الأمريكية تُدرس ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول "التدخل الناعم" بعمليات إنزال جوية سريعة تستهدف مراكز قيادة ومعاقل لوجستية دون احتلال طويل الأمد ما يُعرف بـ "نموذج بنما المعدَّل".

أخبار ذات علاقة

إنتاج النفط في فنزويلا

كيف يمكن للتوترات الأمريكية-الفنزويلية أن تهز أسواق النفط؟


 الثاني "الاستنزاف"..  مزيج من ضغوط اقتصادية ودبلوماسية واستخباراتية مع عمليّات محدودة وهجمات إلكترونية لتدمير تماسك القرار العسكري تدريجياً.
أما السيناريو الثالث الأكثر تحفظاً يترك الحشود كأداة ردع نفسي بحتة.. هنا تلعب لغة الجاهزية دوراً مركزياً إذ يتم إظهار القدرة على الفعل دون اتخاذ قرار التنفيذ، ضمن نمط الردع القابل للتفعيل الفوري".

الخبراء يحذّرون

خبراء دوليون يحذّرون من أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يعيد ترتيب أوراقه عبر شبكات قديمة وتحالفات إقليمية وغير مباشرة؛ ما يجعل منطق "التصعيد المتدرج" أقل فعالية كما في الماضي.. الأوروبيون بدورهم يتحفّظون و يخشون من خطوة أمريكية تفتقر لخطة ما بعد التدخل العسكري.. بينما يرى محللون أمريكيون استراتيجيون احتمال بروز "ضربة" رمزية أي عمل عسكري محدود ومُرسَل لإعادة صياغة المشهد الإقليمي دون الانخراط في حرب واسعة.
لكن كل خيار له ثمن.. فاستمرار الانتشار البحري قد يتحوّل إلى عبء لوجستي وسياسي، والضربة الموضعية تتطلب دقة استخباراتية وشرعية دولية غير سهلة، أما الإنزال الواسع فثمنه بالغ.. المعادلة واضحة واشنطن تخلت عن صبرها التقليدي تجاه مادورو وتبحث عن "صدمة موجّهة" تعيد هندسة التوازن الإقليمي لكن الطريق إلى ذلك محفوف بالمخاطر والارتدادات داخلياً ودولياً.

ماذا عن حلفاء مادورو؟

عنونت صحيفة الواشنطن بوست تحقيقها "مع تصاعد الضغوط الأمريكية.. فنزويلا تتجه إلى موسكو وبكين طلباً للدعم".

تشير وثائق حكومية أمريكية إلى أن مادورو طلب أنظمة دفاعية تشمل رادارات وصيانة للطائرات وربما صواريخ..  وتقول واشنطن بوست إن روسيا لا تزال "تشكل شريان الحياة الأهم لنظام مادورو إذ وصلت إلى كاراكاس طائرة روسية من طراز إليوشين Il-76، كانت خاضعة للعقوبات الأمريكية عام 2023 بعد أن حلّقت عبر مسار طويل لتجنب الأجواء الغربية".

من جانبها أكدت الخارجية الروسية دعمها لفنزويلا في "الدفاع عن سيادتها الوطنية" معلنة استعدادها "للرد المناسب على طلبات شركائها" كما صادقت موسكو مؤخراً على معاهدة استراتيجية جديدة مع كاراكاس.

أما مادورو فلم يكتفِ بطلب العون من بوتين، بل توجه إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ في رسالة دعاه فيها إلى "توسيع التعاون العسكري" لمواجهة "تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا"، كما نسق وزير النقل الفنزويلي شحنة معدات عسكرية وطائرات مسيّرة من إيران.

هل تنجح "الدرع" الروسية – الإيرانية في حماية فنزويلا؟

تستعد فنزويلا لتحويل مياه الكاريبي إلى جبهة رادعة مزودة بدرع روسي–إيراني يجعل أي تهديد أمريكي مكلفاً من وجهة نظر كاراكاس..  تعتمد فيه على مقاتلات سوخوي-30 القادرة على الضرب والدفاع، ومنظومات إس-300 التي ترفع ثمن أي غارة في عمق البلاد وفق ما كشفته مصادر لإرم نيوز..

لكن الصورة ليست كاملة فالتحدّي الحقيقي يبدأ مع صيانة الطائرات وصعوبة تأمين قطع الغيار تحت وطأة العقوبات والاقتصاد المنهك، ما يجعل الردع مكلفاً وسهل التأثر بالزمن.. هنا دخلت المسيرات الإيرانية كعنصر ذكيّ يمكنه ملء فراغ الرصد وتقليص الاعتماد على الطيران المأهول، ما يمنح الدفاع الفنزويلي قدرة تكتيكية جديدة..

ويفرض العامل البشري نفسه.. نحو 120 ألف عنصر بين الجيش والآلاف من الحرس والاحتياط، قوة قد تحسم المواجهة المباشرة إن نُشّطت.. لكن تكمن العقدة في قدرة كاراكاس على الاستدامة و تشغيل هذه الأسلحة فهي تحتاج إلى بنية صلبة لمراكز الصيانة و مخزون وقود وذخيرة كافٍ وتبادل تقني مستمر، دون ذلك قد يتحول الردع إلى عبء يُستنزف تدريجياً.

خاتمة:
في كواليس السياسة تُعاد كتابة خرائط النفوذ في أميركا اللاتينية.. فكل طرف يستعدّ لمعركة قد تعيد رسم حدود القوة في نصف الكرة الغربي.. لكن وسط هذا الصخب، تبقى فنزويلا عالقة بين واقعٍ منهك وحاضرٍ يختنق بالاحتمالات و السؤال لم يعد هل ستتحرّك واشنطن؟ بل متى؟ وهل تقدر على إنهاء عهد مادورو؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC