الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم حضور قمة الأمريكيتين، وهو التجمع الذي يجمع قادة نصف الكرة الغربي، موجة من القلق في العواصم اللاتينية، ودفع جمهورية الدومينيكان إلى تأجيل القمة بعد أن كشفت وزارة الخارجية عن "انقسامات عميقة" تحول دون إجراء حوار بنّاء.
وبينما برر البيت الأبيض غياب ترامب بتعارض الموعد مع مشاركته في فعالية خاصة بكأس العالم 2026، كانت الصورة الأوسع تشير إلى توتر سياسي يصل لنقطة الانفجار، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وبحسب مسؤولين إقليميين، فإن أقل من نصف الدول المشاركة سابقًا أبدت استعدادها للحضور، فيما قال مسؤول كبير في أمريكا اللاتينية إن الأجواء الحالية "لا تُهيئ للقاء ودي… الجو سامّ للغاية".
وقد ترسّخ هذا الانقسام في ظل نهج ترامب الذي يعتمد على "المعاملة التجارية" في العلاقات الخارجية: مكافأة للحلفاء، وضغوط شديدة على المنتقدين.
ولم يمنع الغياب الرئاسي سياسات إدارة ترامب من فرض حضور طاغٍ، خصوصًا مع تكثيف الانتشار العسكري الأمريكي في الكاريبي، وتصعيد الخطاب تجاه فنزويلا، ما جعل القمة مؤجلة قبل أن تبدأ.
عسكرة السياسة الأمريكية تجاه فنزويلا
منذ سبتمبر/أيلول، نفّذت الإدارة الأمريكية خطوات عسكرية متسارعة؛ نشر سفن حربية إضافية، آلاف الجنود، تنفيذ ضربات ضد قوارب تُتهم بتهريب المخدرات، والسماح بعمليات سرية لوكالة المخابرات المركزية.
كما لوّح ترامب بتدخل بري محتمل داخل فنزويلا، متهمًا الرئيس نيكولاس مادورو بقيادة "عصابة إجرامية" تهدد الأمن الأمريكي.
ورغم أن الجريمة المنظمة تمثل خطرًا متزايدًا في المنطقة، إلا أن عواصم عديدة رأت أن ما يحدث يتجاوز مكافحة المخدرات، وأنه يشير إلى عودة غير مرغوبة لتاريخ التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين؛ فذكريات الغزو والإطاحة بالأنظمة لا تزال حيّة، وهو ما يفسّر الحذر الواسع من الموجة الجديدة من التواجد العسكري الأمريكي.
تزامن ذلك مع خطط لتوسيع البنية العسكرية الأمريكية، من إنشاء قاعدة جوية في الإكوادور، وتدوير قوات في بنما، وتفعيل قواعد في السلفادور، وإعادة فتح قواعد عسكرية في بورتوريكو.
وفي الوقت الذي تنتظر فيه المنطقة صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، تتزايد التوقعات بأن واشنطن بصدد "تحويل تركيزها الأمني جذريًا نحو نصف الكرة الغربي".
وبحسب مسؤول أمريكي كبير، فإن السياسة الجديدة تقوم على مبدأ "أمريكا أولًا"، والمكافأة للمتحالفين، و"الضغط الشديد" على من يسمحون للكارتلات أو الصين وروسيا بتوسيع نفوذهم.
انقسام لاتيني يتعمّق
أثمر نهج ترامب عن تأسيس دائرة من الحلفاء المقرّبين الذين يحصلون على مكاسب اقتصادية وسياسية، بينما تتعرض الدول المنتقدة لقيود وعقوبات مباشرة.
وحصدت الأرجنتين تحت قيادة خافيير ميلي دعمًا نقديًا بقيمة 20 مليار دولار، والسلفادور نالت تمويلاً إضافيًا لإدارة ملف المهاجرين المرحّلين، وباراغواي وغواتيمالا قبلتا استقبال طالبي لجوء مقابل تعاون أمني واقتصادي؛ أما ترينيداد وتوباغو فقد حصلت على إشادة خاصة بعد دعمها للحملة العسكرية ضد شبكات تهريب المخدرات.
على الجانب الآخر، واجهت دول مثل كولومبيا عقوبات قاسية بعد انتقاد رئيسها غوستافو بيترو لسياسات البيت الأبيض؛ حيث اتهمه ترامب بأنه "زعيم غير شرعي لتجارة المخدرات"، وفرض قيودًا على تأشيرته وهدد بفرض رسوم جمركية واسعة، بينما ردّ بيترو بوصف ترامب بأنه "قاتل" و"بربري"، قبل أن يعلن وقف التعاون الاستخباراتي مع واشنطن لأول مرة منذ عقود.
وفي المكسيك، اتجهت الرئيسة كلوديا شينباوم نحو مسار مختلف، إذ أعلنت رغبتها في تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بدلًا من المواجهة المباشرة، رغم انتقادها العلني لسياسة "قتل المهربين".
أما البرازيل، فقد شهدت علاقة متقلبة بين ترامب ولولا دا سيلفا، من التصعيد حول الرسوم والتصريحات، إلى تهدئة نسبية بعد لقاءات مباشرة، ما يعكس طبيعة تعامل ترامب "القائم على الشخصنة" وقدرته على تغيير مواقفه بعد محادثات فردية إيجابية.
تواجه أمريكا اللاتينية اليوم مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية تتسم بتصعيد عسكري، وعودة إلى منطق التحالفات المشروطة، والضغط على الأنظمة غير المتوافقة مع رؤية واشنطن.
ومع توسع النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، تتزايد حدة التنافس الجيوسياسي، في وقت تخشى فيه العواصم اللاتينية من تكرار تاريخ التدخل الأمريكي.
وبينما تعد الإدارة الأمريكية استراتيجيات أمن قومي جديدة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في نصف الكرة الغربي، يبقى القلق الإقليمي عنوان المرحلة، مع تزايد الانقسام بين دول ترى في ترامب شريكًا اقتصاديًا مفيدًا، وأخرى ترى في سياساته تهديدًا مباشرًا لاستقرارها وسيادتها.