الكرملين: بوتين وترامب قد يلتقيان مرة أخرى قريبا
أكد مقرّبون من إدارة الرئيس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن القطيعة بين الملياردير ورجل الأعمال إيلون ماسك والبيت الأبيض قد تنعكس سلباً على الولايات المتحدة، ولن تصب في مصلحة البلاد.
تصريحات المقرّبين من إدارة ترامب لـ"إرم نيوز" جاءت تعليقاً على عاصفة الخلاف القائم بين الرجلين حليفي الأمس.
المسألة هنا تتعدى الاتفاق أو الاختلاف بين صديقين وحليفين تقاربا سياسياً وإنسانياً قبل أن تفرق بينهما اختلافات عميقة في وجهات النظر تجاه قضايا حساسة تتعلق بالتمويل الحكومي وأسلوب إدارة الإنفاق الحكومي في المرحلة المقبلة.
العارفون بماسك يقولون إنه رجل شديد التقلب في مواقفه، ويستعيدون ذلك الانقلاب في موقفه من الحزب الديمقراطي بعد خلافه الأخير مع الرئيس السابق جو بايدن، وذهابه إلى الجناح الآخر المعارض بقيادة الرئيس الحالي دونالد ترامب وقتها وهو التحالف الذي انشطر بدوره إلى نصفين بعد خلاف ترامب وماسك.
يقول مقرّبون من إدارة ترامب، إنه على المستوى السياسي لا يوجد تقارب جوهري بين الرئيس الأمريكي وماسك، لأن المشترك العقائدي سياسياً غير متوافر عند الرجلين، حيث إن كلاهما فخور بقوته، فترامب يقدم نفسه على أنه الرجل الأقوى سياسياً في البلاد وفي العالم، وماسك يقدم نفسه بأنه الرجل الأكثر ثراء في العالم.
الرجلان جمعهما هدف مشترك واحد في المرحلة السابقة، وهو رغبة ترامب في الحكم لولاية ثانية مقابل رغبة ماسك في منع استمرار الديمقراطيين في البيت الأبيض لولاية ثانية.
هذا الهدف الجامع عمل الرجلان لتحقيقه بكل ما يملكانه من قوة خلال فترة الانتخابات السياسية، لكن عندما تعلق الأمر بإدارة البلاد ودفة الحكم فيها اختلف الرجلان، وهو الأمر الذي قال بشأنه قيادي ديمقراطي من الصف الأول لـ"إرم نيوز" إن الحزب كان يتوقع حدوثه في أية مرحلة من مراحل إدارة الرئيس ترامب، إلا أن المفاجأة الوحيدة في الذي حدث هو أن الخلاف تفجّر في وقت أبكر من المتوقع، وكذلك بحدة أكبر من المتوقع ومنذ اللحظة الأولى.
خلاف ترامب وماسك سيئ جدا بلغة الحسابات للرجلين، ترامب يحتاج إلى وحدة الجمهوريين خلفه في مجلس الشيوخ لتمرير مشروعه للإنفاق الحكومي وهو المشروع الذي لا يزال يفتقد إلى تأييد الأغلبية الجمهورية في المجلس، ويجد المعارضة الكاملة من جانب جميع الأعضاء الديمقراطيين بطبيعة الحال.
يقول زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إننا نتفق مع ماسك بشأن مشروع قانون الإنفاق الحكومي، والإصلاح الضريبي.
ما يراه شومر هو ما يتفق معه قيادي ديمقراطي في حديثه لـ"إرم نيوز" من أن الأصوات الجمهورية المترددة في إعلان موقفها المعارض للمشروع ستجد في معارضة ماسك سندها القوي، خاصة أن سياسة ماسك تتماشى مع مخاوف الكثير من القواعد الناخبة من الأمريكيين، ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
يرى القادة الديمقراطيون أن موقف ماسك العلني من القانون سيخلق لدى الزملاء الجمهوريين المترددين الدافع الكافي لإعلان معارضتهم للقانون؛ ومن ثم فشل ترامب في تمرير مشروعه الذي يقول إنه حجر الزاوية في خطته الاقتصادية لسنوات حكمه في البيت الأبيض.
سلسلة خيارات معقدة في كيفية التعامل مع الواقع الذي أوجده الخلاف بينهما، فمن جهة ماسك بات يخسر أكثر من تلك الخسارات السابقة التي صاحبت وجوده في البيت الأبيض خلال الشهور الأربعة الماضية؛ بسبب الخلاف العلني مع الحليف السابق بمجموع أرقام بلغت 150 مليار دولار خلال أيام الأزمة المتصاعدة بين الرجلين.
ماسك الذي كان قد واجه حقيقة الخسارات المؤلمة في مؤسساته الخاصة؛ بسبب انشغاله بالمهام الحكومية التي تولاها في البيت الأبيض وقضائه وقتاً أطول في العاصمة واشنطن قبل أن يضطر مكرهاً فيما يبدو أن يعيد جدولة اهتماماته بتخصيص وقت أكبر لمؤسساته ومحاولة إنقاذ عروس شركاته الخاصة لصناعة السيارات تسلا التي كانت تواجه موجة انحسار قياسي في مبيعاتها داخل الولايات المتحدة وخارجها.
اختار ماسك، أخيراً، الانسحاب الكامل من مهامه الرسمية في واشنطن والعودة إلى العمل بدوام كامل في مؤسساته الخاصة بهدف واحد وصريح وهو إعادة مؤسساته إلى المستوى الذي كانت عليه قبل انخراطه في العمل السياسي، حيث لم يكن بحاجة إلى خسارة جديدة تضاف إلى الخسارات السابقة، وإلى توسع دائرة المعادين له من الأمريكيين.
عندما اختار ماسك أن يدعم ترامب في الموسم الانتخابي السابق خسر أكبر قاعدة من المستهلكين للسيارات الكهربائية، والتي يشكل أغلب هؤلاء من الليبراليين الديمقراطيين الذين يدعمون هذا النوع من السيارات، ويعتقدون أنها سيارات المستقبل إضافة إلى كونها مركبات صديقة للبيئة وهم من أكبر أنصار نظرية التغير المناخي والدفاع عن أجندة الحزب الديمقراطي في هذا الاتجاه.
تراجعت مبيعات سيارات ماسك بين هؤلاء إلى المستوى الذي كبد شركته خسارة تاريخية في الأسواق الأمريكية قبل أن يزداد الوضع سوءاً عندما أعلنت الصين إنتاجها سيارات مماثلة وبأسعار أقل من تسلا.
في ظل هذه الخلافات العلنية مع ترامب سيجد ماسك نفسه أمام خصوم جدد وهم أنصار الرئيس ترامب من مؤيديه في القواعد الناخبة، وهؤلاء كانوا متحفظين من الأصل في التعامل مع السيارات الكهربائية؛ لأنهم لا يؤمنون بنظرية التغير المناخي، ويرفضون جميع سياسات الديمقراطيين في هذا الاتجاه لا ويقولون إنها دعاية صينية سقط الديمقراطيون في دواليب ألاعيبها.
انضمام أنصار ترامب إلى الديمقراطيين في الخصومة مع الملياردير الأمريكي سيجعل من مساعي ماسك معقدة في المرحلة لأجل استعادة أمجاد عروس صناعاته الكهربائية.
يقول مقربون من إدارة الرئيس إن حالة الغضب هذه التي تتملك ماسك، حالياً، ستعقبها حالة من الهدوء قبل أن تهدأ الأمور بين الرجلين عندما ينظر كلاهما إلى أهمية التعاون بينهما لأجل المصلحة الأمريكية العامة.
يقول مقربون من ترامب إن الرئيس يخطط للتخلص من سيارة تسلا التي اشتراها من ماسك في محاولة منه لتشجيع أنصاره على اقتناء هذا النوع من السيارات عندما أقدم على ذلك في البيت الأبيض وبحضور ماسك.
السيارة الحمراء التي اشتراها ترامب من ماسك كانت لحظتها علامة على التحالف والدعم بين الرجلين وقرار بيعها، الآن، هو علامة على التباعد بين الرجلين.
سيكون في يد ترامب القوة الكافية التي تمكنه من أن يجعل أيام ماسك صعبة في المرحلة المقبلة من خلال استهداف عقود شركات ماسك مع الحكومة الفيدرالية في قطاعات عديدة وهو قرار يملكه ترامب، ويمكن أن يتسبب في إيذاء القوة الصناعية والمالية لماسك في المستقبل.
ترامب ورغم امتلاكه هذا الخيار المتاح لسلطته التنفيذية في الحكومة إلا أنه قد يكون سبباً لخسارة سياسية هو لا يريدها على الإطلاق، لأن الاستهداف المباشر لماسك سيجعل منه يظهر في صورة "الديكتاتور" الذي يجعل كل شيء في البلاد مرتبط برغبته الشخصية.
يقول معارضون لترامب إن لجوء ترامب إلى هذا الخيار سيجعله نسخة مكررة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتوقف نجاح أو فشل رجال الأعمال في روسيا على مدى قربهم أو اختلافهم معه وهي تهمة جاهزة عند خصوم ترامب وهم يرددونها في الوقت الحالي عندما يتعلق الأمر بطريقة إدارته البلاد عن طريق الأوامر التنفيذية.
ترامب لا يريد لهذه التهمة أن تلتصق به وتكون جزءاً من إرثه السياسي لذلك سيعمل على تجنبها إلا في حالة ما انتهت الخيارات البديلة بين يديه.
سيكون ترامب، وليس بعيداً عن العام المقبل وتحديداً في نوفمبر من السنة القادمة بحاجة ماسة إلى أموال وجهود وحضور ماسك في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
هذه الانتخابات التي تسمى بالتصفية نسبة إلى أن موعدها يصادف منتصف الولاية الرئاسية للرئيس الجالس في البيت الأبيض ولذلك عادة ما تكون بمثابة استفتاء على أدائه الرئاسية خلال العامين الأول والثاني.
سيكون الأمر معقداً جداً على ترامب في حالة خسارته للانتخابات النصفية بخسارته الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، أو في أحدهما سيكون من الصعب جداً عليه تنفيذ أجندته في العامين الأخيرين من ولايته الثانية.
هذا الرهان الكبير في الحسابات السياسية لترامب سوف يجعل منه بحاجة إلى ماسك في انتخابات التجديد النصفي وفي حالة استمرار الخلاف بين الرجلين ستكون مهمة ترامب والجمهوريين معقدة جداً في الموعد الانتخابي المقبل.
في أبريل الماضي أظهرت انتخابات العضوية للمحكمة العليا ولاية ويسكنسن الأهمية القصوى لماسك في دعم الجمهوريين والمحافظين عندما صرف أكثر من 100 مليون دولار لدعم القاضي المرشح للمقعد بمحكمة الولاية العليا في محاولة من ماسك وترامب لمنع الديمقراطيين من الفوز به.
خسر ماسك ذلك التحدي الانتخابي، لكنه مع ترامب أخذ الإشارة الواضحة بأن الأمور لا تسير بشكل جيد لكليهما سياسياً؛ بسبب فوزها قبل أشهر قليلة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في هذه الولاية التي تشكل جزءاً من سلسلة الولايات المتأرجحة في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي، لكن الأمر تتغير وبسرعة وفي الاتجاه السيئ لكليهما.
المرشحون الجمهوريون جميعهم يشعر بالحاجة إلى دعم ماسك لأن ذلك الدعم وبمجرد توفره سيجعلهم في موقع الأفضلية على المنافسين الديمقراطيين، لكن غياب ماسك سيجعل من موقع الجمهوريين معقداً انتخابياً في الخريف ما بعد المقبل، وذلك لأكثر من سبب واحد.
تراجع شعبية سياسات ترامب المالية وكذلك المخاوف من انعكاسات قرارات الرسوم الجمركية على الأسواق الأمريكية، لكن الأكثر أهمية من ذلك أن حالة التضخم في البلاد لا تسجل أي تحسن في ظل رئاسة ترامب رغم أن تحسين أرقام التضخم كان أحد الوعود الانتخابية الكبيرة التي وعد بها ترامب الأمريكيون وكانت دافعهم الرئيس للتصويت له في انتخابات نوفمبر الماضي.
كل هذا الزخم السياسي سيجعل من ترامب والجمهوريين بحاجة إلى ماسك واستمرار دعمه أجندة المحافظين في المرحلة المقبلة وهو ما يتطابق تماماً مع رغبة سابقة من ماسك عندما أعلن أنه سيعمل على قطع الطريق على أنصار الأجندة الليبرالية من الوصول إلى الكونغرس عن طريق ضخ المزيد من التأييد للمرشحين المحافظين في جميع المواعيد الانتخابية.
لكن ذلك كان جزءاً من حالة التناغم الذي كان يطبع علاقته ترامب ومع هذه الانقلابات في المواقف، يبدو أن ذلك لم يعد ممكناً الاستمرار ولا الوفاء به في الموعد الانتخابي المقبل.