تثير الضربات الأمريكية الأخيرة في نيجيريا تساؤلات حول جدواها، بعد أن أظهرت تبني الرئيس دونالد ترامب استراتيجية الردع المباشر، وهي سياسة تغضب قاعدة مؤيديه.
وتزداد السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب ارتباكاً، وهذا ما توحي به الضربات الأمريكية الأخيرة ضد داعش في غرب أفريقيا، التي نُفذت بذريعة حماية المسيحيين.
ومنذ سقوط ما يُسمى بـ"خلافة داعش" في سوريا والعراق، سارع مقاتلو التنظيم إلى استغلال الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية من منطقة الساحل الأفريقية والقوات الأمريكية من أفغانستان.
وأبرزت تدخلات كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين عبر القنوات التلفزيونية اعتقادا بأن مجرد قصف قواعد المتشددين في نيجيريا لن يغير الوضع. ويرى معارضون لسياسة الردع أن الرئيس الأمريكي كان مدفوعا بالدفاع الرمزي عن المسيحيين والحرص على طمأنة ناخبيه الإنجيليين.
قبضة الجماعات المتطرفة قوية لدرجة أن سياسة دعم حقيقية للدول الضعيفة في المنطقة ستكون ضرورية لتغيير الوضع، وهو أمر خارج تحركات ترامب.
وكان ترامب قد توسط مؤخرًا في اتفاقية "سلام" بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في حين استمر القتال. ويؤكد مراقبون أن ذلك لم يكن بدافع الرغبة في استقرار المنطقة، بل لأنه مهتم أكثر بعقود التعدين للشركات الأمريكية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويرى الباحث المتخصص في ديناميكيات الأمن في غرب أفريقيا، رِدا سانتي في استراتيجية واشنطن منذ تولي ترامب السلطة ذريعة لمقارعة النفوذ الصيني والروسي في القارة.
وأشار إلى تحديات تحقيق السلام في المنطقة التي تستهدف تحسين الوصول إلى المواد الخام، إذ يُشكّل انخراط دونالد ترامب الكامل في جهود السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعاني من صراعات مزمنة، وتطبيع العلاقات بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، جزءًا من هذه الاستراتيجية.
وأكد سانتي لـ"إرم نيوز": ينطبق الأمر نفسه على مكافحة التطرف، فقد دشن ترامب حملات القصف الأمريكية في جميع أنحاء العالم بغارات على أهداف تنظيم داعش في الصومال، وهي الدولة التي هاجمها بلا هوادة.
كما أن الخلاف الأمريكي مع جنوب أفريقيا، أكبر اقتصاد في القارة والعضو المؤثر في مجموعة البريكس - وهي منظمة تعتمد على التعددية - عُدّ بمثابة ضربة لرغبة الولايات المتحدة في تفكيك التعددية من أجل التعاون المباشر مع الدول. وهو ما تسبب في نشوء توترات بين بريتوريا وواشنطن.
بالنسبة للرئيس الأمريكي، فإن السياسة الخارجية مرادفة للأعمال التجارية، حتى مع الأنظمة الديكتاتورية، فلا علاقة لها بتعزيز الديمقراطية أو الحفاظ على النظام العالمي الليبرالي، بحسب محللين.
وبعد فرض حصار بحري يشل حركة ناقلات النفط التي تحمل النفط الخام الفنزويلي، تبدو الإدارة الأمريكية مستعدة لفرض تغيير النظام في كاراكاس.
وبينما يُبرر البيت الأبيض هذا الطموح بضرورة مكافحة تهريب المخدرات، فإنه في الواقع يستند إلى دوافع تجارية بحتة. فمصافي النفط في لويزيانا وتكساس، على خليج المكسيك، تحتاج إلى النفط الثقيل الفنزويلي لتشغيلها.
وفي الولايات المتحدة، بدأت حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً" بالاحتجاج على سياسة ترامب الخارجية المتخبطة، لأن تدخلاته تتناقض مع مبدأ "أمريكا أولاً".
