بدأت الصين تعزيز وجودها في أفغانستان معتمدةً على سياسة براغماتية تمزج بين المصالح الاقتصادية والأمنية؛ ما يعكس تحولًا عالميًا نحو إدارة الأنظمة الصعبة عبر المصالح والأمن، في نموذج براغماتي هشّ قد ينجح مرحليًا لكنه لا يضمن الاستقرار طويل الأمد.
وبحسب "منتدى شرق آسيا" فقد استغلت بكين الفراغ الذي تركه الغرب بعد انسحابه أو تقليص وجوده في أفغانستان فور سقوط كابول في يد طالبان عام 2021، فدفعت مبعوثين رسميين إلى كابول، وأطلقت حزمة من المشاريع الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك إعادة تشغيل منجم "ميس أيناك" للنحاس، ومنْح أفغانستان تسهيلات تجارية وإعفاءات من الرسوم الجمركية، فضلًا عن مبادرات محدودة في مجالات البنية التحتية والرعاية الاجتماعية؛ لتحويل التفاعل مع طالبان إلى علاقة عملية قائمة على المصالح المشتركة.
وكشفت مصادر أن الصين رأت في طالبان واقعًا سياسيًا لا يمكن تغييره، ولذلك تجنّبت الدخول في نقاشات حول حقوق الإنسان أو تعليم الفتيات، مفضلةً التركيز على الأمن الإقليمي ومنع تهديدات مباشرة لأراضيها، أبرزها "حركة تركستان الشرقية".
كما سعت بكين إلى إبقاء القنوات مفتوحة مع إدارة صعبة، وطبقت نموذج "التفاعل بلا اعتراف رسمي"؛ إذ التزمت دبلوماسية الحد الأدنى، وأجّلت أي خطوة اعتراف رسمي لحين التحقق من استقرار الوضع الأمني؛ ما جعل سياستها ديناميكية وقابلة للتعديل بسرعة إذا تغيرت الظروف.
لكن على الرغم من النجاح الجزئي في تثبيت نفوذ الصين وإعادة بعض المشاريع الاقتصادية الكبرى إلى مسارها، إلَّا أن الحوادث الأخيرة كشفت هشاشة هذا النموذج؛ فقد ظهرت تهديدات ملموسة للأمن الصيني خارج الحدود، مثل الهجوم على مهندسين صينيين في باكستان في مارس 2024، وضربة الطائرات المسيّرة على عمال صينيين في طاجيكستان في نوفمبر 2025؛ ما يدل على أن الاستقرار الذي تسعى بكين لشرائه بالصفقات والمصالح الاقتصادية لا يزال هشًّا وغير مضمون.
ومع استمرار طالبان في فرض سيطرتها الصارمة، بما في ذلك توسيع المدارس "الأصولية" وتقييد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يظل نموذج بكين مؤقتًا، يحقق نفوذًا مباشرًا لكنه لا يضمن إصلاحًا اجتماعيًا أو استقرارًا طويل الأمد.
ويرى محللون أن هذا النموذج يمنح الصين ميزة استراتيجية مقارنة بالغرب، الذي يظل مرتبطًا بالمبادئ والقيم، ويواجه صعوبة في التفاعل مع أنظمة صعبة مثل طالبان؛ فالتعامل المباشر والعلاقات الاقتصادية الفعلية قد يضمن سيطرة بكين على مسار التنمية مؤقتًا، وحماية مصالحها الأمنية، دون الحاجة إلى الاعتراف الرسمي بالحكومة الأفغانية.
ويتساءل مراقبون عن مدى قدرة هذا النموذج الصيني على الاستمرار في وجه التحديات الأمنية الداخلية والخارجية، وما إذا كانت المصالح الاقتصادية قادرة على ترويض النظام الأفغاني على المدى الطويل.